قال مجاهد : ما يضن عليكم بما يعلم. أي لا يبخل بالتعليم والتبليغ. وقال الفراء : يأتيه غيب السماء ، وهو شيء نفيس ، فلا يبخل به عليكم. وقال أبو علي الفارسيّ : المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه ، كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلوانا وقرئ (بظنين) بالظاء : أي ما هو بمتهم على ما يخبر به من الغيب.
قال القاشانيّ : لامتناع استيلاء شيطان الوهم وجنّ التخيل عليه ، فيخلط كلامه ويمتزج المعنى القدسي بالوهميّ والخياليّ ، لأن عقله صفّي عن شوب الوهم. والمعنى أنه صادق فيما يخبر به من الوحي واليوم الآخر والجزاء ، ليس من شأنه أن يتهم فيه. كما قال هرقل (١) لأبي سفيان : وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله.
تنبيه :
قال بن جرير : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ، ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به ، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد. لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، تأويل من تأوّله (وما محمد ، على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ، ببخيل بتعليمكموه أيها الناس. بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه) انتهى. واختار أبو عبيدة القراءة بالظاء لوجهين :
أحدهما أن الكفار لم يبخلوه ، وإنما اتهموه ، فنفي التهمة أولى من نفي البخل.
وثانيهما قوله : (عَلَى الْغَيْبِ) ولو كان المراد البخل لقال (بالغيب) لأنه يقال فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا.
وقال الشهاب : قال في (النشر) : هو بالضاد في جميع المصاحف ، ولا ينافي هذا قول أبي عبيدة ، إن الضاد الظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى ، زيادة يسيرة ، قد تشتبه. وهو كما قال. ويعرفه من قرأ الخط المسند. وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما توهم ، لأن ما نقلوه موافق للقراءة
__________________
(١) أخرجه البخاري في : بدء الوحي ، عن أبي سفيان بن حرب ، ٦ ـ حدثنا أبو اليمان حديث رقم ٧.