بيّن الكتابة. أو معلّم برقم ينبئ عن قبحه. سمي سجينا ـ فعّيلا من السجن وهو الحبس والتضييق ـ لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم. فهو بمعنى (فاعل) في الأصل. أو لأنه مطروح في أسفل مكان مظلم. فهو بمعنى (مفعول) كأنه مسجون لما ذكر. وقيل : هو اسم مكان ، فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده. والتقدير : ما كتاب سجين أو محل كتاب مرقوم؟ فحذف المضاف وقيل إنه مشترك بين المكان والكتاب. وقال الأصفهاني : السجين اسم لجهنم بإزاء علّيّين. وزيد لفظه تنبيها على زيادة معناه. وقيل : هو اسم للأرض السابعة.
ثم قال : وقد قيل إن كل شيء ذكره الله تعالى بقوله : (وَما أَدْراكَ) فسّره. وكل ما ذكره بقوله : (وَما يُدْرِيكَ) تركه مبهما. وفي هذا الموضع ذكر (وَما أَدْراكَ) وكذا في قوله : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) ثم فسّر الكتاب ، لا السجين والعليون. وفي هذه الطبقة موضعها الكتب التي يتبع هذا الكتاب ، لا هذا. انتهى.
وقال القاشانيّ : (لَفِي سِجِّينٍ) في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة أذلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة ودركاتها. وهو ديوان أعمال أهل الشرّ ولذلك فسّر بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي ذلك المحل المكتوب فيه أعمالهم ، كتاب مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي بيوم الحساب والمجازاة. وفيه إشعار بأن المطففين ممن يتناولهم هذا الوصف. لأن إصرارهم على التعدي والاجترام يدل على عدم الظن بالبعث. كما قال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٣)
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) أي مجاوز طور الفطرة الإنسانية ، بتجاوزه ، حد العدالة ، إلى الإفراط في أفعاله بالبغي والعدوان (أَثِيمٍ) أي مبالغ في ارتكاب أفانين الإثم وأنواع المعاصي (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي ما سطروه من الأحاديث والأخبار. يريد أنه ليس بوحي ربّاني ، ولا تنزيل إلهيّ. مع نصوع بيانه وشواهد برهانه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤)