كمالها وأعظم نعيمها وجنّتها العاجلة في الدنيا. فإذا كان يوم لقائه كان أعظم نعيمها رفع الحجاب الذي كان يحجبها في الدنيا عن رؤية وجهه وسماع كلامه. وفي حديث الرؤية (١) : فو الله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه.
ثم قال : وكما جمع سبحانه لأعدائه بين هذين العذابين ، وهما ألم الحجاب وألم العذاب ، جمع لمحبيه بين نوعي النعيم نعيم القرب والنظر ، ونعيم الأكل والشرب والنكاح والتمتع بما في الجنة ، في قوله : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان : ١١] الآيات.
(ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي في الدنيا. قال الإمام : تبكيتا لهم وزيادة في التنكيل بهم. فإن أشد شيء على الإنسان ، إذا أصابه مكروه ، أن يذكر وهو يتألم له ، بأن وسائل النجاة من مصابه كانت بين يديه فأهملها. وأسباب التفصي عنه كانت في مكنته فأغفلها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١)
(كَلَّا) ردع عن التكذيب ، أو بمعنى حقّا (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) قال القاشانيّ : أي ما كتب من صور أعمال السعداء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة ، في عليين. وهو مقابل للسجين ، في علوه وارتفاع درجته ، وكونه ديوان أعمال أهل الخير. كما قال : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي محل شريف رقم بصور أعمالهم : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أي يحضره المقربون من حضرة ذي الجلال ، كما في آية (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥].
والمقربون هم الأبرار : أعاد ذكرهم ، بوصف ثان ، تنويها بهم وتعديدا لصفاتهم. أو هم الملائكة إجلالا لهم وتعظيما لشأنهم.
ولما عظم تعالى كتابهم ، تأثره بتعظيم منزلتهم ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (٢٦)
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : الجنة ، ١٦ ـ باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى.