(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) قال أبو السعود : استئناف مسوق لتقرير ما فصل من حديث الغاشية ، وما هو مبني عليه من البعث الذي هم فيه مختلفون ، بالاستشهاد عليه بما لا يستطيعون إنكاره. والهمزة للإنكار والتوبيخ. والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام وكلمة (كيف) منصوبة بما بعدها ، معلقة لفعل النظر. والجملة في حيز الجر على أنها بدل اشتمال من (الإبل) أي أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه ، ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عزوجل ، فلا ينظرون إلى الإبل التي هي نصب أعينهم يستعملونها كل حين ، إلى أنها كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات ، في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة به تأتي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة ، كالنوء بالأوقار الثقيلة وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة. وفي صبرها على الجوع والعطش ، حتى أن أظماءها لتبلغ العشر فصاعدا. واكتفائها باليسير ، ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك ، مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم. وفي انقيادها مع ذلك الإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض ، حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء ، ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير (وَإِلَى السَّماءِ) التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار (كَيْفَ رُفِعَتْ) أي رفعت كواكبها رفعا سحيق المدى ، وأمسك كل منها في مداره إمساكا لا يختل سيره ولا يفسده نظامه (وَإِلَى الْجِبالِ) أي التي ينزلون في أقطارها (كَيْفَ نُصِبَتْ) أي أقيمت منتصبة لا تبرح مكانها ، حفظ للأرض من الميدان (وَإِلَى الْأَرْضِ) أي التي يضربون فيها ويتقلبون عليها (كَيْفَ سُطِحَتْ) أي بسطت ومهدت ، حسبما يقتضيه صلاح أموره ما عليها من الخلائق.
قال الزمخشري : والمعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق. حتى لا ينكروا اقتداره على البعث ، فيسمعوا إنذار الرسول صلىاللهعليهوسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه.
لطيفة :
ذكر السكاكي في (المفتاح) في بحث الجامع الخيالي ؛ أن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال. وأنه إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدر ، أنى يستحلى كلام رب العزة مع أهل الوبر ، حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الآيات ، لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ، ثم لبعده في خياله عن السماء ، وبعد