لعظمته عزوجل ، وأن شأنه مع عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم ، فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة والتكسب للسادة ، وبواسطة كاسب عبيدهم ، قدّر أرزاقهم والله تعالى لا يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما ، بل هو الذي يرزقهم. وإنما يطلب منهم عبادته ليصرفوا ما أنعم به عليهم إلى ما خلقوا لأجله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) (٥٩)
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب الرسول والإصرار على الشرك والبغي والفساد ، (ذَنُوباً) أي نصيبا وافرا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية. وأصل (الذنوب) الدلو العظيمة الممتلئة ماء ، أو القريبة من الامتلاء. وهي تذكّر وتؤنّث ، فاستعيرت للنصيب مطلقا ، شرا كالنصيب من العذاب في الآية ، أو خيرا كما في العطاء في قول عمرو بن شاس :
وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة |
|
فحقّ لشأس من نداك ذنوب |
وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب ، فيعطى لهذا ذنوب ، ولآخر مثله.
(فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي لا يطلبوا مني أن أعجل به قبل لأجله ، فإنه لا بد آتيهم ، ولكن في حينه ، المؤخر لحكمة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٦٠)
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي أوعدوا فيه نزول العذاب بهم ، ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد. و (اليوم) إما يوم القيامة ، أو يوم بدر.
قال أبو السعود : والأول هو الأنسب بما في صدر السورة الكريمة الآتية. والثاني هو الأوفق لما قبله ، من حيث إنهما من العذاب الدنيوي ـ والله أعلم ـ.