ضيّقه عليه وقتّره ، فلم يكثر ماله ولم يوسع عليه (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أي أذلني بالفقر. وذلك لسوء فكره وقصور نظره في الحالين. فإنه إنما ابتلاه بالغنى ليقوم بواجبه ويعرف حق الله فيه. وبالفقر ليظهر بمظهر العفاف ويتخلق بخلق الصبر على الكفاف. ففي كلّ ابتلاء وامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب. ونظير الآية ، آية : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] وآية ، (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦] وآية ، (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [المعارج : ١٩ ـ ٢٢]. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠)
(كَلَّا) ردع عن قوليه في حاليه. أعني اعتقاد الإكرام في الإعطاء ، والإهانة في المنع ، بل لطلب الشكر. وهو صرف النعم إلى ما خلقت له ، وإعطاء المال لذويه ، وأحقهم الأيتام وهم لا يفعلونه ، كما قال : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) وهو من فقد كافله ومربيه. فإن من آكد الواجبات القيام على تأديبه وكفالته ، صونا له إذا أهمل من فساد طبيعته وعيثه بالضرر في أهل جبلته. ومثله التحاضّ على مواساة البؤساء. وهؤلاء المنعي عليهم ضلالهم في غفلة عنه ، كما قال : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا يحض بعضكم بعضا عليه ولا يتواصى به.
قال الإمام : وإنما ذكر التحاض على الطعام ، ولم يكتف بالإطعام فيقول لم تطعموا المسكين) ليصرح لك بالبيان الجلي أن أفراد الأمة متكافلون. وإنه يجب أن يكون لبعضهم على بعض عطف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع التزام كلّ لما يأمر به ، وابتعاده عما ينهى عنه.
لطيفة :
قال القاشاني : في دلالة قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) : أي الإنسان يجب أن يكون في مقام الشكر أو الصبر بحكم الإيمان ، لحديث (الإيمان نصفان. نصف : صبر ، ونصف شكر) لأن الله تعالى إما إن يبتليه بالنعم والرخاء ، فعليه أن يشكره باستعمال نعمته فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين وسائر مراضيه. ولا