دائما على أن تكون قراءتك عملا تنفذه لله لا لغيره فلو فرض أنه قرأ وجعل قراءته لله لا لأحد سواه ولم يذكر الاسم ، فهو قارئ باسم الله. وإنما طلبت التسمية باللسان لتكون منبهة للضمير في بداية كل عمل ، إلى أن يرجع إلى الله في ذلك العمل. ويلاحظ أنه يعمل لاسمه لا لاسم غيره سبحانه. انتهى. وهو جيد (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) أي دم جامد. وهي حالة الجنين في الأيام الأولى لخلقه ، وتخصيص خلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات ، لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير وتفخيما لشأنه. إذ هو أشرفها وإليه التنزيل. وهو المأمور بالقراءة وإنما قال (عَلَقٍ) دون (علقة) كما في الآية الأخرى ، لرعاية الفواصل ، ولأن (الْإِنْسانَ) مراد به الجنس. فهو في معنى الجمع. فلذا جمع ما خلق منه ليطابقه. وخص العلق دون غيره من التارات ، لأنه أدل على كمال القدر ، من المضغة. مع استلزامه لما تقدمه. ومع رعاية الفواصل.
قال الإمام : أي ومن كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا ، وهو الحيّ الناطق الذي يسود بعلمه على سائر المخلوقات الأرضية ، ويسخرها لخدمته ؛ يقدر أن يجعل من الإنسان الكامل مثل النبيّ صلىاللهعليهوسلم قارئا. وإن لم يسبق له تعلم القراءة. وجاء بهذه الآية بعد سابقتها ، ليزيد المعنى تأكيدا. كأنه يقول لمن كرر القول أنه ليس بقارئ : أيقن أنك قد صرت قارئا بإذن ربك الذي أوجد الكائنات ، وما القراءة إلا واحدة منها. والذي أنشأ الإنسان خلقا كاملا من دم جامد لا شكل فيه ولا صورة. وإنما القراءة صفة عارضة على ذلك الإنسان الكامل. فهي أولى بسهولة الإيجاد ، ولما كانت القراءة من الملكات التي لا تكسبها النفس إلا بالتكرار ، والتعوّد على ما جرت به العادة في الناس ، ناب تكرار الأمر الإلهي عن تكرار المقروء ، في تصييرها ملكة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فلهذا كرر الأمر بقوله : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) وجملة (وَرَبُّكَ) إلخ استئنافية لبيان أن الله أكرم من كل من يرتجي منه الإعطاء. فيسير عليه أن يفيض عليك هذه النعمة ، نعمة القراءة ، من بحر كرمه. ثم أراد أن يزيده اطمئنانا بهذه الموهبة الجديدة ، فوصف مانحها بأنه (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي أفهم الناس بواسطة القلم كما أفهمهم بواسطة اللسان. والقلم آلة جامدة لا حياة فيها ، ولا من شأنها في ذاتها الإفهام. فالذي جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم والبيان ، ألا يجعل منك قارئا مبيّنا وتاليا معلما وأنت إنسان كامل؟؟ ثم أراد أن يقطع الشبهة من نفسه ، ويبعد عنه استغراب أن يقرأ ولم يكن قارئا ، فقال : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) أي إن الذي صدر أمره بأن تكون قارئا ، وأوجد فيك ملكة القراءة والتلاوة ، وسيبلغك فيها