شر وأذى. والإخبار عنها بالسلام نفسه ـ وهو الأمن والسلامة ـ للمبالغة في أنه يشبها كدر ، بل فرج الله فيها عن نبيه كل كربة. وفتح له فيها سبل الهداية ، فأناله بذلك ما كان يتطلع إليها ، الأيام والشهور الطوال.
تنبيهات :
الأول : قدمنا أن ليلة القدر التي ابتدأ فيها نزول القرآن كانت في رمضان لآية (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ولا إجماع في تعيين تلك الليلة. بل في صحيح البخاري (١) : أنها رفعت. أي رفع العلم بتعيينها. وفي رواية فيه : نسيتها أو أنسيتها. من قوله صلوات عليه. ولذا رغب في قيام رمضان كله رجاء موافقتها في ليلة منه. نعم الأقوى رواية أنها في العشر الأخير من رمضان لما كان من اهتمامه صلىاللهعليهوسلم بالاعتكاف فيه وإحياء ليله وإيقاظ أهله. وقد ذهب ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة إلى أنها ليلة أربع وعشرين قال ابن حجر : وحجتهم حديث واثلة أن القرآن نزل لأربع وعشرين من رمضان. وقد اضطربت أقوال السلف فيها. صحابة ومن بعدهم. حتى أنافت على أربعين قولا.
قال الإمام : ثم الأخبار الصحيحة متضافرة على أنه في شهر رمضان. ولا نعيّنها من بين لياليه. فقد اختلف فيها الروايات اختلافا عظيما. وكتاب الله لم يعينها. وما ورد في الأحاديث من ذكرها ، إنما قصد به حث المؤمنين على إحيائها بالعبادة ، شكرا لله تعالى على ما هداهم بهذا الدين الذي ابتدأ الله إفاضته فيهم ، في أثنائها. ولهم أن يعبدوا الله فيها أفرادا وجماعات فمن رجح عنده خبر في ليلة أحياها ، ومن أراد أن يوافقها على التحقيق ، فعليه أن يشكر الله بالفراغ إليه بالعبادات في الشهر كله. وهذا هو السر في عدم تعيينها. وتشير إليه آية البقرة فإنها تجعل الشهر كله ظرفا لنزول القرآن ، ليذكر المؤمنون نعمة الله عليهم فيه. فهي ليلة عبادة وخشوع ، وتذكر لنعمة الحق والدين. فلا تكون ليلة زهو ولهو تتخذ فيها مساجد الله مضامير للرياء ، يتسابق إليها المنافقون. ويحدث أنفسهم بالبعد عنها المخلصون. كما جرى عليه عمل المسلمين في هذه الأيام. فإن كل ما حفظوه من ليلة القدر هو أن تكون لهم فيها ساعة سمر يتحدثون فيها بما لا ينظر الله إليه. ويسمعون شيئا من كتاب الله لا ينظرون فيه ولا يعتبرون بمعانيه. بل إن أصغوا إليه ، فإنما يصغون لنغمة تاليه ، ثم يسمعون من الأقوال ما لم يصح خبره ، ولم يحمد في الآخرين ولا الأولين أثره. ولهم
__________________
(١) أخرجه في : فضل ليلة القدر ، ٢ ـ باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر ، حديث رقم ٤١٩ ، عن أبي سعيد الخدري.