القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (٤٨)
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) أي عن الحق في الدنيا (وَسُعُرٍ) أي نيران في الآخرة.
وقال القاشانيّ : أي في ضلال عن طريق الحق ، لعمى قلوبهم بظلمة صفات نفوسهم. و (سُعُرٍ) أي جنون ووله ، لاحتجاب عقولهم عن نور الحق بشوائب الوهم ، وحيرتها في الباطل.
(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) أي يجرّون عليها. (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) أي حرّها وألمها. والاستعارة في المس تحقيقية. أو في (سَقَرَ) مكنية ، وفي (المسّ) تخييلية. أو المس مجاز مرسل بعلاقة السببيّة للألم. واستعارة الذوق مشهورة ، واستعمال الذوق في المصائب بمنزلة الحقيقة. و (سَقَرَ) من أسماء جهنم ـ أعاذنا الله منها ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩)
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي بمقدار استوفى فيه مقتضى الحكمة ، وترتب الأسباب على مسبّباتها. ومنه خلق دار العذاب ، لما كسبت الأيدي ، وإذاقة ألمها جزاء الزيغ عن الهدى. وهذه الآية كآية (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢] وآية ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى : ١ ـ ٣] ، أي قدّر قدرا ، وهدى الخلائق إليه. ولا مانع أن تكون هذه الآية وما بعدها إلفاتا لعظمته تعالى ، وكبير قدرته ، وأن من كانت له تلك النعوت المثلى لجدير أن يعبد وحده ، ويرهب بأسه ، ويتّقى بطشه ، لا سيما وقد صدع الداعي بإنذاره ، ومن أنذر فقد أعذر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٠)
(وَما أَمْرُنا) أي الذي به الإيجاد (إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي كلمة واحدة يكون بها كل شيء ، بمقتضى استعداده ، كلمح بالبصر في السرعة.