قال صاحب الكشاف : والضمير في «لقائه» له ـ أى لموسى ـ ، ومعناه : إنا آتينا موسى ـ عليهالسلام ـ مثل ما آتيناك من الكتب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى ، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ، ولقيت نظيره كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ، فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أى : وجعلنا الكتاب الذي أنزلناه على نبينا موسى ـ عليهالسلام ـ هداية لبنى إسرائيل إلى طريق الحق والسداد.
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) والأئمة : جمع إمام ، وهو من يقتدى به في الأمور المختلفة. والمراد بهم هنا : من يقتدى بهم في وجوه الخير والبر.
أى : وجعلنا من بنى إسرائيل أئمة في الخير والصلاح ، يهدون غيرهم إلى الطريق الحق ، بأمرنا وإرادتنا وفضلنا ، وقد وفقناهم لذلك حين صبروا على أداء ما كلفناهم به من عبادات ، وحين تحملوا الشدائد والمحن في سبيل إعلاء كلمتنا.
وأنت ترى أن جعلهم أئمة في الخير لم يكن اعتباطا ، وإنما كان بسبب صبرهم على الأذى ، وعلى مشاق الدعوة إلى الحق ، وعلى كل أمر يستلزم الصبر وحبس النفس.
وفي ذلك إرشاد وتعليم للمسلمين ، بأن يسلكوا طريق الأئمة الصالحين ، ممن كانوا قبلهم ، وأن يبلغوا دعوة الله إلى غيرهم بصبر ويقين.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) زيادة في مدحهم ، وفي تقرير أنهم أهل للإمامة في الخير. أى : وكانوا بسبب إدراكهم السليم لمعانى آياتنا : يوقنون إيقانا جازما بأنهم على الحق الذي لا يحوم حوله باطل وبأنهم متبعون لشريعة الله ـ تعالى ـ التي لا يضل من اتبعها وسار على نهجها.
ثم أشار ـ سبحانه ـ إلى أن بنى إسرائيل جميعا لم يكونوا كذلك ، وإنما كان منهم الأخيار والأشرار ، وأنه ـ تعالى ـ سيحكم بين الجميع يوم القيامة بحكمه العادل ، فقال : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
أى : إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ هو وحده الذي يتولى القضاء والحكم بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ، فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا من أمور متنوعة. على رأسها ما يتعلق بالأمور الدينية.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥١٦.