والمراد بأولى الأرحام : الأقارب الذين تربط بينهم رابطة الرحم كالآباء والأبناء ، والإخوة ، والأخوات.
وقوله : (فِي كِتابِ اللهِ) متعلق بقوله (أَوْلى) أو بمحذوف على أنه حال من الضمير في (أَوْلى).
والمراد بالمؤمنين والمهاجرين. من لا تربط بينهم وبين غيرهم رابطة قرابة.
قال ابن كثير : وقد أورد ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام قال : أنزل الله ـ عزوجل ـ فينا خاصة معشر قريش والأنصار : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) وذلك أنا معشر قريش ، لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان ، فواخيناهم ووارثناهم ... حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا (١).
وشبيه بهذه الآية في وجوب أن يكون التوارث بحسب قرابة الدم ، قوله ـ تعالى ـ في آخر آية من سورة الأنفال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
والاستثناء في قوله ـ سبحانه ـ : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) رجح بعضهم أنه استثناء منقطع. وقوله (أَنْ تَفْعَلُوا) مبتدأ ، وخبره محذوف.
والمراد بالكتاب في قوله (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) القرآن الكريم ، أو اللوح المحفوظ.
والمعنى : وأولو الأرحام وهم الأقارب ، بعضهم أولى ببعض في التوارث فيما بينهم ، وفي تبادل المنافع بعضهم مع بعض ، وهذه الأولوية والأحقية ثابتة في كتاب الله ـ تعالى ـ حيث بين لكم في آيات المواريث التي بسورة النساء ، كيفية تقسيم التركة بين الأقارب ، وهم بهذا البيان أولى في ميراث الميت من المؤمنين والمهاجرين الذين لا تربطهم بالميت صلة القرابة.
هذا هو حكم الشرع فيما يتعلق بالتوارث ، لكن إذا أردتم ـ أيها المؤمنون ـ أن تقدموا إلى غير أقاربكم من المؤمنين معروفا ، كأن توصوا له ببعض المال فلا بأس ، ولا حرج عليكم في ذلك.
وهذا الحكم الذي بيناه لكم فيما يتعلق بالتوارث بين الأقارب ، كان مسطورا ومكتوبا في
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٨٣.