ما زالوا يحسبون ويظنون أنهم لم يذهبوا عنها ، فهم يأبون أن يصدقوا أن الله ـ تعالى ـ قد رد الذين كفروا بغيظهم دون أن ينالوا خيرا.
وفي هذه الجملة ما فيها من التهكم بالمنافقين ، حيث وصفتهم بأنهم حتى بعد ذهاب أسباب الخوف ، ما زالوا في جبنهم يعيشون.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم فيما لو عاد الأحزاب على سبيل الفرض والتقدير فقال : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ).
أى : إلى المدينة مرة ثانية.
(يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) أى : وإن تعد جيوش الأحزاب إلى مهاجمة المدينة مرة ثانية ، يتمنى هؤلاء المنافقون ، أن يكونوا غائبين عنها ، نازلين خارجها مع أهل البوادي من الأعراب ، حتى لا يعرضوا أنفسهم للقتال.
فقوله : (بادُونَ) جمع باد وهو ساكن البادية. يقال : بدا القوم بدا ، إذا نزحوا من المدن إلى البوادي.
والأعراب : جمع أعرابى وهو من يسكن البادية.
ثم بين ـ سبحانه ـ تلهفهم على سماع الأخبار السيئة عن المؤمنين فقال : (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً).
أى : هؤلاء المنافقون يسألون القادمين من المدينة ، والذاهبين إليها عن أخباركم ـ أيها المؤمنون ـ حتى لكأنهم غير ساكنين فيها.
ولو كانوا فيكم عند ما يعود الكافرون إلى المدينة ـ على سبيل الفرض ـ ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا حتى لا ينكشف أمرهم انكشافا تاما. فهم لا يقاتلون عن رغبة ، وإنما يقاتلون رياء ومخادعة.
وهكذا نجد الآيات الكريمة قد أفاضت في شرح الأحوال القبيحة التي كان عليها المنافقون عند ما هاجمت جيوش الأحزاب المدينة ، ووصفتهم بأبشع الصفات وأبغضها إلى كل نفس كريمة ، حتى يحذرهم المؤمنون.
وكعادة القرآن الكريم في المقارنة بين الأخيار والأشرار ، ساقت السورة بعد ذلك صورة مشرقة مضيئة للمؤمنين الصادقين ، الذين عند ما رأوا جيوش الأحزاب قالوا : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه دون أن يبدلوا تبديلا.