لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٦٩)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، لَيَقُولُنَّ اللهُ) .. بيان لما كان عليه مشركو العرب من اعتراف بأن المستقل بخلق هذا الكون هو الله ـ تعالى ـ.
أى : ولئن سألت ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المشركين ، من الذي أوجد هذه السموات وهذه الأرض ، ومن الذي ذلل وسخر لمنفعتكم الشمس والقمر ، ليقولن بدون تردد : الله ـ تعالى ـ هو الذي فعل ذلك بقدرته.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) تعجيب من تناقضهم في أفعالهم ، ومن انحراف في تفكيرهم ، ومن تركهم العمل بموجب ما تقتضيه أقوالهم.
أى : إذا كنتم معترفين بأن الله وحده هو الخالق للسموات والأرض ، والمسخر للشمس والقمر ، فلما ذا أشركتم معه في العبادة آلهة أخرى؟ ولما ذا تنصرفون عن الإقرار بوحدانيته ـ عزوجل ـ؟
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الأرزاق جميعها بيده ، يوسعها لمن يشاء ويضيقها على من يشاء فقال : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) ...
والضمير في قوله : (لَهُ) يعود على (مِنْ) على حد قولك : عندي درهم ونصفه. أى : ونصف درهم آخر.
أى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه عليه من عباده ، وهو وحده الذي يضيق الرزق على من يشاء أن يضيقه عليه من عباده. لأنه ـ سبحانه ـ لا يسأل عما يفعل ، وأفعاله كلها خاضعة لمشيئته وحكمته ، وكل شيء عنده بمقدار.
ويجوز أن يكون المعنى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي بقدرته أن يوسع الرزق لمن يشاء من عباده تارة ، وأن يضيقه عليهم تارة أخرى.
فعلى المعنى الأول : يكون البسط في الرزق لأشخاص ، والتضييق على آخرين ، وعلى المعنى الثاني يكون البسط والتضييق للأشخاص أنفسهم ولكن في أوقات مختلفة.
والله ـ تعالى ـ قادر على كل هذه الأحوال ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء.