من الخطاب إلى الغيبة ، على سبيل التحقير لهم ، والتهوين من شانهم. والاستفهام للنفي والتوبيخ.
والسلطان : الحجة والبرهان.
أى : هؤلاء الذين أشركوا معنا غيرنا في العبادة ، هل نحن أنزلنا عليهم حجة ذات قوة وسلطان تشهد لهم بأن شركهم لا يخالف الحق ، وتنطق بأن كفرهم لا غبار عليه؟
كلا ، إننا ما أنزلنا عليهم شيئا من ذلك ، وإنما هم الذين وقعوا في الشرك ، بغير علم ، ولا هدى ولا كتاب منير.
فالآية الكريمة تتهكم بهم لسفههم وجهلهم ، وتنفى أن يكون شركهم مبنيا على دليل أو ما يشبه الدليل ، أو أن يكون هناك من أمرهم به سوى تقاليدهم الباطلة ، وأهوائهم الفاسدة وأفكارهم الزائفة.
ثم عادت الصورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال بعض النفوس البشرية في حالتي العسر واليسر ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) من صحة أو غنى أو أمان (فَرِحُوا بِها) أى : فرحوا بها فرح البطر الأشر ، الذي لا يقابل نعم الله ـ تعالى ـ بالشكر ، ولا يستعملها فيما خلقت له.
فالمراد بالفرح هنا : الجحود والكفران للنعم ، وليس مجرد السرور بالحصول على النعم.
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) شدة أو مصيبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أى : بسبب شؤم معاصيهم ، وإهمالهم لشكر الله ـ تعالى ـ على نعمه (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أى : أسرعوا باليأس من رحمة الله ، وقنطوا من فرجه ، واسودت الدنيا في وجوههم ، شأن الذين لا يعرفون سنن الله ـ تعالى ـ في خلقه ، والذين يعبدون الله على حرف ، فهم عند السراء جاحدون مغرورون .. وعند الضراء قانطون يائسون.
وعبر ـ سبحانه ـ في جانب الرحمة بإذا ، وفي جانب المصيبة بإن ، للإشعار بأن رحمته ـ تعالى ـ بعباده متحققة في كل الأحوال. وأن ما ينزل بالناس من مصائب ، هو بسبب ما اجترحوه من ذنوب.
ونسب ـ سبحانه ـ الرحمة إلى ذاته فقال : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) دون السيئة فقد قال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) لتعليم العباد الأدب مع خالقهم ـ عزوجل ـ ، وإن كان الكل بيده ـ سبحانه ـ وبمشيئته ، وشبيه بهذا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً).