جواب الاستدلال المذكور
فإنّه يقال : إنّ هذا الإشكال له وجه لو لم يكن في أدلّة البراءة ما يدلّ عليها بعد عملية الفحص عن البيان نحو الآية الشريفة (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) بتقريب تقدم.
وله وجاهة لو كان إجراء البراءة بواسطة الفقيه قبل الفحص عن الأحكام ، حيث إنّ في هذه الصورة ، الاحتمال في أطراف العلم الإجماليّ بثبوت تكاليف واقعيّة يكون منجّزا ومانعا عن تأثير دليل البراءة للتعارض ، لكن محطّ النظر في محلّ البحث هو إجراء البراءة بنظر الفقيه بعد الفحص (٢) بتتبّع الآيات والأخبار والشهرات والإجماعات والاصول المثبتة للأحكام التكليفية والوضعية ، وبعد ملاحظتها يحصل ويتجمّع عند الفقيه المستنبط كمّية كبيرة من الأحكام تفصيلا على نحو القطع ـ افرض ـ لا تقلّ عددا عن العدد المعلوم إجمالا أولا ، فهذه المعلومة تفصيلا كانت منجّزة قبل قيام الأدلة والأمارات على ثبوتها لا يمكن أن تصبح منجّزة بالعلم الإجماليّ المذكور ؛ لعدم قبول مورد واحد لحكمين متماثلين ، فتخرج عن كونها مجرى لأصالة البراءة ، وحينئذ تبقى الموارد الاخرى المجهولة مشكوكة بدويّة تحت عمل أصالة البراءة بلا معارض.
__________________
(١) الإسراء : ١٥.
(٢) تقدم الكلام عليه في التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة عند الوقوف على أبوابها : ص ٢٧٢ ، ٢٦٧ ـ ٢٦٨.