المجهول ما لم يصل إليه.
وببيان آخر : أنّ سياق الآية وسبكها ـ استقراء لنظائرها ـ هو نفي تبدّل سجيّة الله وتغيّر عادته في القرون الماضية وهذه الامّة المرحومة طرّا بمقتضى الحكمة أن لا يعذّب من دون بيان الحجّة ، فإنّ ذلك غير لائق بالمولى اللطيف الحقيقي ، فهذا التفسير شامل لنفي العذاب الاخرويّ واستحقاقه ، وإلّا فثبوت الاستحقاق مع نفي فعلية العذاب خلاف ما هو لائق لله سبحانه أن لا يؤاخذ قبل تمامية البيان من العقل والنقل ، فدلالة هذه الآية أيضا تامّة على المرام.
٣ ـ ومنها في سورة التوبة الآية (١١٥) : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) ، معناها يقرب من مفاد سابقتها ، أي لم يكن لائقا به سبحانه أن يعذّب قوما في الدنيا والآخرة إلّا بعد هدايتهم إلى الإسلام ، وبعد أن يبيّن لهم ما يرضيه وما يسخطه. ودلالتها على المدّعى ـ وهو : عدم تحقّق الذنب بفعل محتمل الحرمة وترك محتمل الوجوب قبل حصول البيان ووصوله من الشارع ـ أوضح من أن يخفى ، وأدلّة الاحتياط والتوقّف الآتي ذكرها لم يعدّ بيانا ملزما ؛ لأنّ مفادها على ما يأتي ليس هو الالزام.
٤ ـ ومنها في سورة الانعام الآية (١١٩) : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) تدلّ على إباحة ما لم يوجد تحريمه في الشرع بعد التفصيل والبيان من قبل الشارع.