يومئ إليه مقالتهم في أمر الخلافة وامتحانهم بالسجود ، بل وقوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).
مدفوع بعد الغضّ عمّا فيه بأنّهم إنّما يطلبون الرياسة الحقّة الّتي توجب مزيد القرب ، والكرامة ، وأين هذا من طلب الرياسات الباطلة الّتي هي من مقتضيات النفس الأمّارة وجنود الجهل.
وعلى فرض التسليم فللبشر مضافا إلى ذلك أنواع كثيرة اخرى من الشهوات ، ومن البيّن أنّ المبتلى بأنواع كثيرة منها تكون الطاعة عليه أشقّ من المبتلى بشهوة واحدة.
وامّا ما يقال في دفع هذه الحجّة من أنّ العبادة مع كثرة البواعث والشواغل إنّما تكون أشقّ وأفضل من الاخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات ، وعبادة الملائكة أكثر وأدوم ، فإنّهم يسبّحون اللّيل والنّهار ولا يفترون ، والإخلاص الّذي به القوام والنظام واليقين الّذي هو الأساس والتّقوى الّذي هو الثمرة فيهم أقوى وأقوم ، لأنّ طريقهم العيان لا البيان.
وايضا ينتقض ذلك بما أنّا نرى الواحد من الصّوفية يتحمّل في طريق المجاهدة من المشاقّ والمتاعب ما نقطع بأنه عليهالسلام لم يتحمّل مثلها ، مع أنا نعلم أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله أفضل من الكلّ ، وما ذاك إلّا أنّ كثرة الثّواب تترتّب على كثرة الإخلاص ، فربما يكون الفعل أسهل على فاعله ويكون الثواب اكثر لكثرة إخلاصه.
ففيه أنّ مبنى الاستدلال إنّما هو على التفاضل من حيث تحمّل كثرة المشقّة
__________________
(١) النساء : ١٧٢.