والألم في الطّاعة والانقياد ، وقضيّة تفضيل الأنبياء وهو المطلوب ، وأمّا معارضة سائر الصّفات الموجبة للتعكيس فلم يظهر دليل عليها ، ومجرّد الجواز لا يدلّ على الوقوع ، ودعوى أنّ الإخلاص واليقين والتقوى فيهم أشدّ وأقوى في حيّز المنع كيف وهو أوّل الكلام ، بل التّحقيق أنّ ظهور هذه الصفات في الأنبياء أقوى منه في غيرهم حتّى الملائكة ، لأن أخشى الخلق أعلمهم بالله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١) وقد نصّت الآية وغيرها على كون أدم أعلم وانّه هو المستأهل للخلافة العلميّة ومنصب التعليم ، فإذا اقترنه العمل من جميع الجهات كما هو مقتضى العصمة فقد تمّت له الفضيلة بشطريها ، وأذعنت له الرياسة الكبرى بقرنيها ، وامّا دوام العبادة وعدم الفتور فلا تظنّن اختصاصه بالملائكة ضرورة انّ أرواح الأنبياء سبقهم في عالم الأنوار والأرواح بالاجابة ، وعبدوه قبل خلقة الملائكة وكانوا مستمرّين على عبادتهم إلى أن أمروا بالظّهور في هذا العالم الجسماني لمصالح قضت بها العناية الكليّة والمصلحة الرّبانيّة ، فصحبوا أهل هذا العالم بأبدان أرواحها معلّقة بالملكوت الأعلى فكانّهم وهم في جلابيب من أبدانهم العنصريّة قد نضّوها وتجرّدوا عنها إلى عالم القدس وحضرة الأنس ، وأمّا إذا فارقوا هذا العالم فلا تظنّن انّهم إذا ماتوا فاتوا ، بل هم أحياء عند ربّهم يرزقون ، باستنشاق نفحات قدسه واستضاءة تجلّيات وجهه.
وبالجملة فالظّاهر سلامة الدّليل المذكور عن وصمة الأشكال سيّما بعد ما أشير اليه في الخبر المروي في «العلل» عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله
__________________
(١) فاطر : ٢٨.