الملائكة أحسن صورة منّي فصرت ممسوخا منكوسا مقبوحا هائلا كريها كما ترى (١). الخبر بكونه في جملتهم بحسب الظاهر في أجمل زيّ وأحسن صورة حتّى ظهرت منه المخالفة الكامنة ما تقلّبت صورته إلى ما اقتضته سيرته ، مع أنّه لا عبرة بقوله المحكي عنه ، وعلى كلّ حال فيتعيّن تأويل أمثال هذه الاخبار أو طرحها بعد استقرار المذهب على عدم كونه منهم ، بل ودلالة قواطع الأدلّة عليه حسبما سمعت ، بل قد يستدلّ عليه ايضا بقوله : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٢) ، فانّ المراد به حيث يطلق الجنس المعروف الّذي يقابل بالإنس.
وتوهّم أن «كان» بمعنى صار كما في قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) سيّما مع نصّ الأخفش وغيره عليه ، مدفوع بانّه خلاف الظّاهر فلا يصار عليه إلّا بدليل فضلا عن قيامه ، على خلافه.
وأمّا ما يقال من أنّ الجنّ مشتقّ من الاجتنان وهو السّر ومنه الجنين والجنّة والجنون ، والملائكة لمّا كانوا مستترين عن العيون صحّ إطلاق الجنّ (٣) سلّمنا لكنّ المراد به طائفة من الملائكة معروفون بهذا الإسم كما روته العامّة عن بعض اصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ورواه بعضهم عن ابن عباس قال : كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجنّ خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان خازنا من خزّان الجنّة ، قال : وخلقت الملائكة كلّهم من نور غير هذا الحيّ قال وخلقت
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٦٣ ص ٢٢٩.
(٢) الكهف : ٥٠.
(٣) مفاتيح الغيب للرازي : ج ٢ ص ٢١٣.