كلامهم حكاية الإجماع على ذلك ، وهذا المذهب مأخوذ من ائمّتهم عليهمالسلام ، ومن نقل منهم خلافه فهو مفتر مباهت ، مع أنّ ذلك القول فاسد في نفسه ، فانّه لو جاز إظهار الكفر تقيّة لكان أولى الأوقات به وقت ظهور الدّعوة لأنّ النّاس في ذلك الوقت متّفقون على التكذيب والإنكار ، فكان لا يجوز اظهار الدّعوة لأحد من الأنبياء فيؤدّي إلى إخفاء الدّين بالكليّة ، ولعلّه من حكى ذلك عنهم رأى في كلامهم ما يدلّ على جواز التّقيّة للأمّة وللأوصياء في ايّام خلافتهم مع اشتراكهم للأنبياء في العصمة والقدوة ، فظنّوا انّهم يجوّزونها للأنبياء أيضا ، وهو كما ترى.
هذا كلّه في اعتقاد الكفر والشرك وما بمنزلتهما ، وامّا الاعتقاد الخطأ الّذي لا يبلغ الكفر كاعتقاد عدم بقاء الأعراض فمذهب الإماميّة عدم جوازه ايضا عليهم لتنزّههم وبراءتهم عن الخطأ في الاعتقاد ولو فيما لا يتعلّق بالأمور الشرعيّة ولا يدخل تحت التبليغ لما سيأتي ، وأمّا الجمهور فقد حكى العلّامة أعلى الله مقامه في «نهاية الأصول» عنهم فيه قولين : أحدهما المنع لكونه منفّرا والآخر الجواز هذا هو الكلام في القسم الأوّل.
وامّا القسم الثّاني : وهو ما يتعلّق بالتبليغ فقد اتّفقت الأمّة بل جميع أرباب الشرائع والملل على وجوب عصمتهم عن الكذب والافتراء والتحريف فيما يتعلّق بالتّبليغ عمدا وسهوا ، نعم قد يحكى عن القاضي (١) أبي بكر انّه جوّز من ذلك ما كان على سبيل النّسيان وفلتات اللّسان.
__________________
(١) هو القاضي ابو بكر الباقلاني محمد بن الطيّب البصري البغدادي الاشعري كان مشهورا بالمناظرة وسرعة الجواب ، توفى ببغداد سنة (٤٠٣) ه الكنى والألقاب ج ٢ ص ٦٣.