والأمر من الله سبحانه يكون مرّة على وجه الوجوب ، واخرى على النّدب ، قال : فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليهالسلام مندوبا إلى ترك التّناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركا نفلا وفضلا ، وغير فاعل لقبيح ، وليس يمتنع أن يسمّى تارك النفل عاصيا ، كما سمّي بذلك تارك الواجب ، فانّ تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجبا أو نفلا بأنّه عاص ظاهرة ، ولهذا يقولون : أمرت فلانا بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني ، وان لم يكن ما أمر به واجبا.
ثمّ أورد على نفسه بأنّه كيف يجوز أن يكون ترك النّدب معصية أو ليس هذا يوجب أن يوصف الأنبياء عليهمالسلام بأنّهم عصاة في كلّ حال ، وانّهم لا ينفكّون عن المعصية لأنّهم لا يكادون ينفكّون من ترك النّدب ، وأجاب عنه : بأنّ وصف تارك الثواب النّدب بالعصيان توسّع وتجوّز ، والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدّى به موضعه ، ولو قيل : انّه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل لم يجز إطلاقه ايضا في الأنبياء عليهمالسلام إلّا مع التّقييد ، لأنّ استعماله قد كثر في القبائح فإطلاقه بغير تقييد موهم لكنّا نقول : ان أردت بوصفهم بانّهم عصاة انّهم فعلوا القبائح فلا يجوز ذلك ، وان أردت بأنّهم عصاة انّهم تركوا ما لو فعلوه لاستحقّوا الثّواب وكان اولى فهم كذلك.
أقول : قد صرّح بعض المحققين بانّ استعمال العصيان في ترك المندوب حقيقة ويؤيّده ما في «الصّحاح» و «القاموس» من أنّه خلاف الطّاعة إذ من البيّن انّ الطّاعة تطلق على فعل كلّ من الواجب والنّدب على احتمال أن يكون تفسيرا بالأعمّ كما هو الشائع في كلامهم ، نعم قد شاع إطلاقه في ترك الواجب ولذا صحّ