يصدر عنهم أحيانا من ترك الأولى لعلوّ قدرهم وكثرة معرفتهم ولذا ورد : «انّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» (١) بل ربما يستقلّون ما يصدر عنهم من الطّاعات ويستحقرونه في جنب عظمة الله سبحانه ، ولذا كان يصدر عنهم من التضرّع والبكاء والأنين ما لم يلحقهم فيها أحد من العالمين ، فانّ أعلم الخلق بالله اخشاهم منه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) وقد روي عن الصّادق عليهالسلام انّه قال : لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن ، وهو هو ونحن نحن (٣).
وهذا هو الّذي أشار إليه الحجّة عجّل الله فرجه في دعاء شهر رجب : فجعلتهم معادن لكلماتك وأركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك الّتي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقك (٤) آه.
وهذه مقامهم في قربهم ومثالهم في هذه الحال بالنّسبة إلى فعل الله ومشيئته مثل الحديدة المحماة بالنّار ، فانّه يصدر عنها ما يصدر عن النّار من الإضاءة والإحراق لا فرق بينها وبينها إلّا أنّ الحديدة حينئذ محل فعل النّار ومظهر شؤونها كما أنّهم عليهمالسلام محال مشيئة الله سبحانه المظهرون لأمره العاملون بإرادته ، ولهم أيضا مقامات أخر باعتبار كونهم التشريعي التبليغي النّاسوتي من أكلهم وشربهم ونكاحهم وتبليغهم الشرائع والاحكام إلى كافة الأنام وغيرها ممّا لا ريب في انّهم مأمورون بها إقامة لمنصب النبوّة والولاية ورسم التبليغ والتجانس إلّا انّها بالنّسبة إلى الحالة
__________________
(١) بحار الأنوار ص ٢٠٥.
(٢) فاطر : ٢٨.
(٣) لم اظفر على مصدره.
(٤) بحار الأنوار ج ٩٨ ص ٣٩٣.