وأما بناء على أصالة الماهية ، فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي أيضا ، بل بما هي بنفسها في الخارج ، فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والاعيان الثابتات ، لا بوجودها كما كان الامر بالعكس على أصالة الوجود. وكيف كان فيلحظ الامر ما هو المقصود من الماهية الخارجية أو الوجود ، فيطلبه ويبعث نحوه ليصدر منه ويكون ما لم يكن ، فافهم وتأمل جيدا (١).
______________________________________________________
(١) اختلف الحكماء في هذه المسألة :
فذهب فريق إلى اصالة الوجود وانه هو المفاض من الجاعل وهو منبع الآثار ، والماهية امر انتزاعي وهي حدوده.
وذهب الفريق الآخر إلى ان الماهية هي الاصيلة وهي المفاضة من الجاعل تكتسب حيثية من الجاعل يصح ان ينتزع منها انها موجودة ، والوجود امر منتزع عنها إذا اكتسبت تلك الحيثية. ولكن الفريقان اتفقا على ان الماهية من حيث هي هي بحيث لم تكتسب حيثية من الجاعل لا موجودة ولا معدومة.
فإن قلنا ان الاصيل هو الوجود كان الطلب متعلقا بوجودها ، وان قلنا ان الماهية هي الاصيلة كان الطلب متعلقا بحيثيتها التي تكتسبها من الجاعل. فالماهية من حيث هي ليست متعلقة للطلب على أي حال ، لأن الداعي إلى طلبها ما هو منبع الآثار وهو المتحمل للغرض الذي من اجله كانت متعلقة للطلب ، ومنبع الآثار إما وجودها أو حيثيتها التي تكتسب من الجاعل. وعلى هذا فالمتعلق هي الماهية بحيث تكون موجودة إما اصالة أو انتزاعا ، اما من حيث هي فلا يتعلق بها الطلب ، وقد أشار إلى ما ذكرنا بقوله : «هذا بناء على اصالة الوجود» : أي بناء على اصالة الوجود فمتعلق الطلب ايجاد الماهية ووجودها. والفرق بين الوجود والإيجاد اعتباري ، فانه حيث ينسب إلى الماهية فهو وجود الماهية ، وحيث ينسب إلى موجدها فهو ايجاد الماهية.