وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة بأنّه : " إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل" ، (١) بل نسبه شارح الدروس إلى القوم ، فقال : إنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه.
______________________________________________________
المختصر يصدق أنّ عدالة زيد في المثال الأوّل كانت يقينيّ الحصول في الآن السابق ، وشكّ في بقائها في الآن اللاحق ، فيصحّ كونه مجرى للاستصحاب ، وليس كذلك. نعم ، يصحّ الاحتراز عنه على تعريف المحقّق القمّي رحمهالله ، بأخذ قيد البقاء فيه ، لأنّه فرع ثبوت أصل الوجود. وعلى تعريف شارح المختصر بقوله في الحدّ : قد كان ، لعدم صدق الكون مع سراية الشكّ إلى الوجود الأوّل.
وثالثها : أن يتعلّق الشكّ ببقاء المتيقّن السابق لا بوجوده. وبعبارة اخرى : أن لا يكون الشكّ ساريا إلى الشكّ في وجود المتيقّن السابق ، وإلّا فلا مجرى للاستصحاب. وقد غفل عن هذا بعض الفحول ، فأجرى الاستصحاب في غير محلّه. ومثاله من الأحكام الكلّية ما لو استنبط المجتهد في أوّل زمان اجتهاده شطرا من الأحكام ، وعمل برهة من الزمان على طبق اجتهاده ، ثمّ حصّل حظّا وافرا من العلم ، وتضاعفت قوّته الاستنباطيّة ، فشكّ في صحّة اجتهاده السابق ، لأنّ الشكّ في صحّته يوجب الشكّ في ثبوت الأحكام التي كان معتقدا لها بحسب اجتهاده الأوّل ، فلا يمكن استصحاب هذه الأحكام إلى زمان الشكّ ، بل لا بدّ من المراجعة وتجديد النظر. ومثاله من الموضوعات الخارجيّة ما عرفته من المثال الأوّل لعدالة زيد.
وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ التعريف السديد السليم من جميع ما قدّمناه وما يأتي أن يقال : إنّه إبقاء مشكوك البقاء لكونه متيقّنا. ولا يرد عليه الشكّ الساري ، لكون الشكّ فيه في أصل وجود شيء لا في بقائه ، ولا الاستصحاب القهقرائي ، أعني : ما تقدّم الشكّ فيه على اليقين ، كما سيجيء في محلّه ، لعدم الشكّ في البقاء فيه أيضا.