«إن اخذ من العقل كان داخلا في دليل العقلى ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة» (٤) ، وعلى كلّ تقدير ، فلا يستقيم تعريفه بما ذكره ؛ لأنّ دليل العقل هو حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، وليس هنا إلّا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان ، والمأخوذ من السنّة ليس إلّا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لاحقا لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.
______________________________________________________
وهذا الكلام وإن كان فاسدا في نفسه كما قرّرناه في محلّه ، إلّا أنّ ما عرّف الاستصحاب به هنا لا ينطبق على شيء من دخوله تحت السنّة والعقل ، كما ذكره المصنّف رحمهالله. وما ذكره يرجع إلى أمرين ، أحدهما : منافاة ما ذكره هنا من التعريف لما ذكره في صدر كتابه. والآخر : أنّ الاستصحاب عند الأصحاب من الأدلّة العقليّة ، وعرّفوا الدليل العقلي بأنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ. وحكم العقل هنا حكمه ببقاء ما كان على ما كان بواسطة كونه يقينيّ الحصول مشكوك البقاء ، لا كون الحكم أو الوصف كذلك ، لأنّه مورد لحكم العقل لا نفسه. والمحقّق القمّي رحمهالله قد قسّم الحكم العقلي إلى قطعيّ وظنّي ، وليكن هذا من القسم الثاني. ولا ريب أنّ كون الاستصحاب دليلا شرعيّا أيضا إنّما هو باعتبار حكم الشارع ببقاء ما كان ، لا باعتبار ما ذكره.
وأنت خبير بأنّ الحجّة والدليل ـ على ما صرّح به المصنّف رحمهالله في أوّل الكتاب ـ هو الوسط الذي يحتجّ به لثبوت الأكبر للأصغر ، وهو هنا ليس إلّا كون الشيء معلوم الحصول مشكوك البقاء ، لأنّه يقال : هذا معلوم الحصول مشكوك البقاء ، وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء. فلا بدّ في تعريف الاستصحاب باعتبار كونه دليلا وحجّة من تحديده بما ذكره المحقّق القمّي رحمهالله ، لأنّه المنطبق على ما ذكره المصنّف رحمهالله. ولا ينافيه تعريف الدليل العقلي بأنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، لأنّ الدليل العقلي هنا هو الوسط في القضيّتين المذكورتين الذي يتوصّل به بعد ترتيب القضيّتين إلى حكم شرعيّ ، وهو حجّية