موضوع المسألتين ، فالذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر متّحد معه في الذات مختلف معه في الصفات ، ومن المعلوم عند الحكيم أنّ هذا المعنى غير معتبر شرعا وأنّ القاعدة الشريفة المذكورة غير شاملة له (٢٢٢٩).
وتارة : بأنّ استصحاب الحكم الشرعيّ (٢٢٣٠) وكذا الأصل (٢٢٣١) أي الحالة السابقة التي إذا خلّي الشىء ونفسه كان عليها ، إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، وقد ظهر في محلّ النزاع ؛ لتواتر الأخبار بأنّ كلّ ما يحتاج إليه الامّة ورد فيه خطاب وحكم حتّى أرش الخدش ، وكثير ممّا ورد مخزون عند أهل الذكر عليهمالسلام ، فعلم أنّه ورد في محلّ النزاع أحكام لا نعلمها بعينها ، وتواتر الأخبار بحصر المسائل في ثلاث : بيّن رشده وبيّن غيّه ـ أي مقطوع فيه ذلك ، لا ريب فيه ـ وما ليس هذا ولا ذاك ، وبوجوب التوقّف في الثالث ، انتهى.
أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره أوّلا قد استدلّ به كلّ من نفى الاستصحاب من أصحابنا ، وأوضحوا ذلك غاية الايضاح ، كما يظهر لمن راجع الذريعة (١٢) والعدّة والغنية وغيرها ، إلّا أنّهم منعوا (٢٢٣٢) من إثبات الحكم الثابت لموضوع في زمان ، له بعينه في زمان آخر ، من دون تغيير واختلاف في صفة الموضوع سابقا ولاحقا ، كما يشهد له تمثيلهم بعدم الاعتماد على حياة زيد أو بقاء البلد على ساحل البحر بعد
______________________________________________________
٢٢٢٩. لعدم صدق النقض مع اختلاف موضوع المسألتين.
٢٢٣٠. أراد به قاعدة اليقين المستفادة من الأخبار.
٢٢٣١. أراد به قاعدة الاستصحاب المستدلّ عليها بالعقل.
٢٢٣٢. يعني : أنّ ظاهر منع المحدّث المذكور من جريان الاستصحاب في الموارد التي منعه فيها إنّما هو بتوهّم كون الشكّ فيها في المقتضي ، ولذا استند فيه إلى تغاير موضوع القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها. وأمّا غيره من المانعين فقد زادوا عليه ، فمنعوه مطلقا وإن اتّحد الموضوع في القضيّتين ، وكان الشكّ من جهة احتمال عروض المانع. فلا يرد عليهم ما أورده المصنّف رحمهالله على المحدّث المذكور من النقض بالموارد التي سلّم جريان الاستصحاب فيها.