الاستصحاب إلى جماعة منهم الغزالي ، ثمّ قال : ولا فرق عند من يرى صحّة الاستدلال به بين أن يكون الثابت به نفيا أصليّا ، كما يقال فيما اختلف كونه نصابا : لم تكن الزكاة واجبة عليه والأصل بقاؤه ، أو حكما شرعيّا ، مثل قول الشافعية في الخارج من غير السبيلين : إنّه كان قبل خروج الخارج متطهّرا ، والأصل البقاء حتى يثبت معارض ، والأصل عدمه (١٨) ، انتهى.
ولا يخفى أنّ المثال الثاني ممّا نسب إلى الغزالي إنكار الاستصحاب فيه ، كما عرفت من النهاية ومن عبارته المحكيّة (*) فيها.
ثم إنّ السيّد صدر الدين جمع في شرح الوافية بين قولي الغزالي : تارة : بأنّ قوله بحجيّة الاستصحاب ليس مبنيّا على ما جعله القوم دليلا من حصول الظنّ ، بل هو مبنيّ على دلالة الروايات عليها ، والروايات لا تدلّ على حجّية استصحاب حال الإجماع. واخرى : بأنّ غرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم أو ظنّ وجود المدلول في الزمان الثاني أو الحالة الثانية لأجل موجب (٢٣٠٠) لكان حمل الدليل على الدوام ممكنا ، والإجماع ليس كذلك ؛ لأنّه يضادّ الخلاف ، فكيف يدلّ على كون المختلف فيه مجمعا عليه؟ كما يرشد إليه قوله : " والإجماع يضادّه نفس الخلاف ، إذ لا إجماع مع الخلاف ، بخلاف النصّ والعموم ودليل العقل ، فإنّ الخلاف لا يضادّه". ويكون غرضه من قوله : " فلا بدّ لدوامه من سبب" الردّ على من ادّعى أنّ علّة الدوام هو مجرّد تحقق الشيء في الواقع ، وأنّ الإذعان به يحصل من مجرّد العلم بالتحقق ، فردّ عليه بأنّه ليس الأمر كذلك ، وأنّ الإذعان والظنّ بالبقاء لا بدّ له من
______________________________________________________
حال العموم. وثانيهما : ما أشار إليه المصنّف رحمهالله من تصريحه باعتبار استصحاب الطهارة في مثال خروج الخارج من غير السبيلين ، مع إنكار الغزالي لاعتباره في خصوص هذا المثال.
٢٣٠٠. يعني : دليل آخر يدلّ على بقاء مدلول الدليل الأوّل.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : عنه.