صورة الشكّ في الرافع ، غير مستقيم ؛ لأنّا إذا علمنا أنّ الشارع جعل الوضوء علّة تامّة لوجود الطهارة وشككنا في أنّ المذي رافع لهذه الطهارة الموجودة المستمرّة بمقتضى استعدادها ، فليس الشكّ متعلّقا بمقدار سببيّة السبب. وكذا الكلام في سببيّة ملاقاة البول للنجاسة عند الشكّ في ارتفاعها بالغسل مرّة.
فإن قلت : إنّا نعلم أنّ الطهارة بعد الوضوء قبل الشرع لم تكن مجعولة أصلا ، وعلمنا بحدوث هذا الأمر الشرعيّ قبل المذي ، وشككنا في الحكم بوجودها بعده ، والأصل عدم ثبوتها بالشرع. قلت : لا بدّ من أن يلاحظ حينئذ أنّ منشأ الشكّ في ثبوت الطهارة بعد المذي ، الشكّ في مقدار تأثير المؤثّر وهو الوضوء ، وأنّ المتيقّن تأثيره مع عدم المذي لا مع وجوده ، أو أنّا نعلم قطعا تأثير الوضوء في إحداث أمر مستمرّ لو لا ما جعله الشارع رافعا. فعلى الأوّل ، لا معنى لاستصحاب عدم جعل الشيء رافعا ، لأنّ المتيقّن تأثير السبب مع عدم ذلك الشيء ، والأصل عدم التأثير مع وجوده ، إلّا أن يتمسّك باستصحاب وجود المسبّب ، فهو نظير ما لو شكّ في بقاء تأثير الوضوء المبيح ، كوضوء التقيّة بعد زوالها لا من قبيل الشك في ناقضيّة المذي. وعلى الثاني ، لا معنى لاستصحاب العدم ؛ إذ لا شكّ في مقدار تأثير المؤثّر حتّى يؤخذ بالمتيقّن.
وأمّا ثالثا : فلو سلّم جريان استصحاب العدم حينئذ (٢٤٠٦) ، لكن ليس استصحاب عدم (٢٤٠٧) جعل الشيء رافعا حاكما على هذا الاستصحاب (٢٤٠٨) ؛ لأنّ الشكّ في أحدهما ليس مسبّبا عن الشكّ في الآخر ، بل مرجع الشكّ
______________________________________________________
المسبّب بالملازمة العقليّة ، وهو لا يتمّ إلّا على القول بالاصول المثبتة.
٢٤٠٦. يعني : استصحاب عدم الجعل والسببيّة في صورة الشكّ في الرافع على التقدير الثاني أيضا.
٢٤٠٧. هذا اعتراض على قوله : «إلّا أن يرجع إلى استصحاب آخر حاكم ...» إلى آخر ما ذكره.
٢٤٠٨. يعني : استصحاب العدم. حاصله : أنّه مع الشكّ في رافعيّة الشيء