وأمّا الشكّ في بقاء الموضوع ، فإن كان لاشتباه خارجي كالشكّ في بقاء الإضرار في السمّ الذي حكم العقل بقبح شربه ، فذلك خارج عمّا نحن فيه ، وسيأتي الكلام فيه. وإن كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع ، فهذا غير متصوّر في المستقلّات العقلية ؛ لأنّ العقل لا يستقلّ بالحكم إلّا بعد إحراز الموضوع ومعرفته تفصيلا ؛ لأنّ القضايا العقلية إمّا ضروريّة لا يحتاج العقل في حكمه إلى أزيد من تصوّر الموضوع بجميع ما له دخل في موضوعيته من قيوده ، وإمّا نظريّة تنتهي إلى ضروريّة كذلك ، فلا يعقل إجمال الموضوع في حكم العقل ، مع أنّك ستعرف في مسألة اشتراط بقاء الموضوع أنّ الشكّ في الموضوع ـ خصوصا لأجل مدخلية شيء ـ مانع عن إجراء الاستصحاب.
فإن قلت : فكيف (٢٤١٠) يستصحب الحكم الشرعيّ مع أنّه كاشف عن حكم عقليّ مستقلّ؟ فإنّه إذا ثبت حكم العقل بردّ الوديعة ، وحكم الشارع طبقه بوجوب الردّ ، ثمّ عرض ما يوجب الشك ـ مثل الاضطرار والخوف ـ فيستصحب
______________________________________________________
لا يقال : لا يمكن إنكار حكم العقل على الموضوعات المجملة ، لبديهة حكمه بوجوب الاجتناب عن الإناء المسموم المشتبه بين إناءين ، بمعنى حكمه بوجوب الاجتناب عن كلّ منهما لأجل العلم الإجمالي بوجود السمّ في أحدهما.
لأنّا نقول : هذا ليس من إجمال موضوع حكم العقل ، بل من قبيل اشتباه بعض مصاديق موضوعه في الخارج ، لأنّ الموضوع عند العقل هو عنوان الضرر ، ولا إجمال فيه أصلا ، والإجمال إنّما يتصوّر فيه لو فرض حكمه على موضوع ، مع تردّد مناط حكمه في الواقع بين عنوانين ، مع عدم ظهور كون المناط عنده خصوص أحدهما.
وكيف كان ، فقد ظهر أنّ عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقليّة إنّما هو لأجل عدم إمكان فرض الشكّ فيها. مضافا إلى عدم العلم ببقاء الموضوع الذي هو شرط جريانه على أكثر الوجوه المذكورة.
٢٤١٠. حاصله : أنّ مقتضى الملازمة بين العقل والشرع أن يكون موضوع