.................................................................................................
______________________________________________________
وربّما يورد على ما ذكره ـ من عدم جريان استصحاب البراءة فيما ذكره من المثال ـ بمنع انقطاع البراءة السابقة فيه مطلقا ، لأنّ المسلّم منه انقطاعها بالنسبة إلى من علم بوقوع الجنابة منه بالخصوص ، وأمّا من علم إجمالا بوقوع أحد الأمرين منه فلا ، وإن كانت منقطعة بالنسبة إلى زمان العلم بالجنابة ، وذلك لأنّ المكلّف الواحد باعتبار اختلاف حالاته والعوارض الطارية عليه ينزّل منزلة أشخاص مختلفين في التكليف ، لأنّ مدار الخطابات الشرعيّة في التعلّق بالمكلّفين على اختلاف عناوينهم وحالاتهم ، وكما أنّ للشخص الواحد باعتبار كونه مسافرا وحاضرا وصحيحا ومريضا ومختارا ومضطرّا أحكاما مختلفة ، فكذا باعتبار كونه عالما بالجنابة يجب عليه الغسل ، وتنقطع عنه البراءة السابقة ، وباعتبار كونه شاكّا فيها ـ وإن تردّد أمره بينها وبين الطهارة ـ لا يجب عليه الغسل ، ولا تنقطع عنه البراءة السابقة. وعدم جواز التمسّك باستصحاب البراءة في سائر موارد استصحاب التكليف ، مع فرض كون الشكّ فيها في الزمان الثاني في التكليف ، إنّما هو من جهة كون استصحاب التكليف فيها رافعا لموضوع البراءة ، فتأمّل.
وربّما يمثّل لمادّة الافتراق من جانب أصالة البراءة بما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير ، شرعيّين كانا أو عقليّين ، كما إذا علم وجوب العتق وتردّد بين عتق الرقبة مطلقا وخصوص المؤمنة لانقطاع البراءة السابقة بثبوت التكليف يقينا في الجملة. ولكن يمكن منع تعيّن وجوب عتق خصوص المؤمنة ، بأصالة البراءة ، كما تقدّم تحقيقه في مسألة البراءة.
وقد يمثّل أيضا بمسألة كون القضاء تابعا للأداء ، لانقطاع البراءة السابقة بثبوت التكليف في الجملة ، فلا يجوز استصحابها ، بل مقتضى استصحاب الأمر الأوّل على خلافه. وأمّا أصالة البراءة فمقتضاها عدم وجوب القضاء مع قطع النظر عن استصحاب الأمر الأوّل. وبالجملة ، إنّ استصحاب البراءة السابقة غير جار وإن قطع النظر عن استصحاب الأمر الأوّل ، وأصالة البراءة جارية لكن مع قطع النظر عنه.