إلى غير ذلك مما لا يحصى من الأمثلة التي نقطع بعدم جريان الأصل لإثبات الموضوعات الخارجيّة التي يترتّب عليها الأحكام الشرعيّة. وكيف كان ، فالمتّبع هو الدليل.
وقد عرفت أنّ الاستصحاب إن قلنا به من باب الظنّ النوعيّ كما هو ظاهر أكثر القدماء ، فهو كإحدى الأمارات الاجتهاديّة يثبت به كلّ موضوع يكون نظير المستصحب في جواز العمل فيه بالظنّ الاستصحابيّ. وأمّا على المختار من اعتباره من باب الأخبار ، فلا يثبت به ما عدا الآثار الشرعيّة المترتّبة على نفس المستصحب.
نعم هنا شيء (٢٤٧٢) وهو أنّ بعض الموضوعات الخارجيّة المتوسّطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعيّ من الوسائط الخفيّة ، بحيث يعدّ في العرف الأحكام الشرعيّة المترتّبة عليها أحكاما لنفس المستصحب ، وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف. منها : ما إذا استصحب رطوبة (٢٤٧٣) النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر ، فإنّه لا يبعد الحكم بنجاسته ،
______________________________________________________
٢٤٧٢. حاصله : أنّ ما تقدّم من عدم الاعتداد بالاصول المثبتة إنّما هو فيما كانت الواسطة بين المستصحب والأثر الشرعيّ من الامور العقليّة والعادّية واضحة جليّة ، بحيث يعدّ الأثر الشرعيّ من آثار هذه الواسطة دون المستصحب ، وإلّا ففيما كانت الواسطة خفيّة بحيث يعدّ الأثر من آثار المستصحب بالمسامحة العرفيّة دون الواسطة ، كان الاستصحاب حجّة في إثبات الأثر الشرعيّ.
والوجه فيه : أنّ الوجه في عدم حجّيته على الأوّل هو عدم صدق نقض اليقين بالشكّ مع عدم ترتّب الأثر على ذيه ، لفرض كونه مرتّبا على الواسطة غير الثابتة بالأصل ، بعد فرض عدم كونها بنفسها موردا لتنزيل الشارع حتّى يترتّب عليها أثرها بهذا التنزيل. وهذا الوجه غير جار مع خفاء الواسطة ، وعدّ الأثر من آثار المستصحب بالمسامحة العرفيّة ، لوضوح صدق النقض حينئذ عرفا ، لكونه بمنزلة ما كان الأثر من آثار نفس المستصحب في الواقع.
٢٤٧٣. كما في الثوب النجس المنشور على الأرض الطاهرة.