.................................................................................................
______________________________________________________
وبقي الكلام في تحقيق الحال في باقي الأقسام المذكورة ، فنقول : لا إشكال في جريانه في الموضوعات الصرفة ، ولا فيما كان موضوعه عمل المكلّف ، سواء كان من الاصول العمليّة أم الفروع. وأمّا الموضوعات المستنبطة ، فاعلم أنّ الاصول التي يتمسّك بها فيها كثيرة ، ومرجع جميعها إلى أصلين : أحدهما : ما تمسّكوا به في مقام تعيين الأوضاع ، وهي أصالة عدم الوضع. والآخر : ما تمسّكوا به في مقام تعيين المرادات من الألفاظ ، وهي أصالة عدم القرينة ، وإليها ترجع أصالة عدم التقييد أو التخصيص أو الإضمار ونحوها. وأمّا أصالة عدم الوضع فأكثر ما يدور من أقسامها في ألسنة الاصوليّين أربعة ، وإن كان مرجعها إلى أمر واحد ، وهي أصالة عدم الوضع. وبيانه أنّ وضع اللفظ إمّا أن يعلم ويقع الشكّ في تقدّمه وتأخّره ، وإمّا أن لا يعلم وضعه لمعنى ، ويقع الشكّ في وضعه لمعنى آخر.
والأوّل كالحقائق الشرعيّة ، لأنّا قد علمنا وضع الصلاة والصوم والحجّ مثلا لحقائق شرعيّة ، وحصل الشكّ في أنّ ذلك بوضع الشارع تعيينا أو تعيّنا ، أو أنّ الشارع استعملها في الحقائق المخترعة مجازا ووصلت إلى مرتبة الحقيقة ، لكثرة الاستعمال ودورانها في لسان المتشرّعة ، فيقولون حينئذ : إنّ الأصل عدم وضع الشارع ، فيثبتون به حقيقة المتشرّعة. وهذا هو المراد بقولهم : الأصل تأخّر الحادث ، وإلّا فوصف التأخّر لم يكن ثابتا حتّى يستصحب ، غاية الأمر أن يكون في التعبير به نوع مسامحة.
والثاني إمّا أن لا يلزم من فرض ثبوت المعنى المشكوك فيه هجر معنى أصلا ، وإمّا أن يلزم فيه ذلك.
والأوّل مثل ما لو ثبت وضع اللفظ لمعنى ، وشكّ في وضعه لمعنى آخر ، بحيث لو ثبت الوضع الآخر كان مشتركا بينهما ، كما لو ثبت وضع الأمر للوجوب ، وشكّ في وضعه للندب على الوجه المذكور ، فيقال : الأصل عدم الوضع الآخر. وهذا ما يقال : الأصل عدم تعدّد الوضع أو الاشتراك.