حاسما لكلام الجاثليق ، إلّا إذا اريد المجموع من حيث المجموع بجعل الإقرار بعيسى عليهالسلام مرتبطا بتقدير بشارته المذكورة. ويشهد له قوله عليهالسلام بعد ذلك : " كافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ ولم يبشّر" ، فإنّ هذا في قوّة مفهوم التعليق المستفاد من الكلام السابق.
وأمّا التزامه عليهالسلام بالبيّنة على دعواه ، فلا يدلّ على تسليمه (٢٥٢٩) الاستصحاب وصيرورته مثبتا بمجرّد ذلك ، بل لأنّه عليهالسلام من أوّل المناظرة ملتزم بالإثبات ، وإلّا فالظاهر المؤيّد بقول الجاثليق : " وسلنا مثل ذلك" كون كلّ منهما مدّعيا ، إلّا أن يريد الجاثليق ببيّنته نفس الإمام وغيره من المسلمين المعترفين بنبوّة عيسى عليهالسلام ، إذ لا بيّنة له ممّن لا ينكره المسلمون سوى ذلك ، فافهم.
______________________________________________________
إن كان كلّ منها إقرارا مستقلّا لا يحسم مادّة كلام الجاثليق ، إذ له أن يقول له : إنّه بعد الإقرار بالنبوّة فلا يجديك دعوى إقرار عيسى بالبشارة إلّا عن دليل وبرهان ، فما لم تقم دليلا على هذه الدعوى فلا بدّ من الأخذ بالإقرار الأوّل. فلا بدّ أن يكون مراد الإمام عليهالسلام أنّ إقرارنا بنبوّة عيسى ليس على إطلاقه ، بل على تقدير البشارة ، بمعنى أنّ من نقرّ بنبوّته هو عيسى الذي بشّر امّته بنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله. فالمقرّ به هي النبوّة المتعلّقة بهذا الموصوف على تقدير وجود هذه الصفة فيه لا مطلقا. وحقيقة ذلك ترجع إلى أنّه إذا كان شخص واحد وجزئي حقيقي في الخارج على صفة ، وكان اتّصافه بها على تقدير وجود صفة اخرى فيه ، مثل كون زيد ابن عمرو ، فإنّه على تقدير كون عمرو أباه ، لكون البنوّة والأبوّة من المتضايفين ، صحّ لنا نفي كونه على الصفة المذكورة على تقدير عدم وجود الصفة الاخرى فيه. وفيما نحن فيه أيضا لمّا كانت نبوّة عيسى مرتبطة بالبشارة ، لما علمنا من وجوب ذلك عليه ، صحّ لنا نفي نبوّته على تقدير عدم بشارته ، فإقرار الإمام عليهالسلام بالنبوّة والكتاب والبشارة بمنزلة الإقرار بأمر واحد ، لما ثبت من الارتباط والاقتران بينها.
٢٥٢٩. من حيث دلالة الالتزام بها على كون الجاثليق منكرا وقوله موافقا للأصل. ثمّ المراد بالاستصحاب هنا هو المنجّز دون المعلّق ، وهو واضح.