هذا كلّه ، لو اريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقّن عند الشكّ ، وهي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا ، أمّا لو اريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرّة إلى زمان الشكّ وما بعده إلى اليقين بطروء الفسق ، فيلزم استعمال الكلام في معنيين أيضا ، حتّى لو اريد منه القاعدة الثانية فقط ، كما لا يخفى ؛ لأنّ الشكّ في عدالة زيد (٢٥٩٥) يوم الجمعة غير الشكّ في استمرارها إلى الزمان اللاحق. وقد تقدّم نظير ذلك في قوله عليهالسلام : " كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر".
ثمّ لو سلّمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية ؛ لأنّه إذا شكّ فيما
______________________________________________________
٢٥٩٥. حاصله : أنّ الحدوث موضوع والبقاء موضوع آخر ، فلا يصحّ أن يراد بقوله عليهالسلام «لا تنقض اليقين بالشكّ» وقوله «فليمض على يقينه» وغيرهما إنشاء حكمين : أحدهما : وجوب البناء على الحدوث عند الشكّ فيه ، وثانيهما : وجوب البناء في الظاهر على بقاء هذا الشيء المبنيّ على حدوثه إلى زمان الشكّ في بقائه ، لأنّ هذين المعنيين مختلفان محتاجان إلى موضوعين وإنشاءين ، والمفروض أنّه ليس في الخارج إلّا يقين واحد وشكّ واحد متعلّقان بحدوث مشكوك الحدوث. وليس لأحد أن يقول : إنّ هذا إنّما يتمّ إذا اريد به إنشاء حكمين ، وأمّا إذا اريد به إنشاء حكم واحد ، بأن اريد به وجوب ترتيب آثار الحدوث والبقاء إلى زمان اليقين بالخلاف عند الشكّ في الحدوث ، فلا يلزم عليه استعمال اللفظ في معنيين ، لأنّ آثار الحدوث والبقاء قائمة بنفس موضوع الحدوث والبقاء ، فجعل آثارهما في الظاهر عند الشكّ في الحدوث وكذا في البقاء على تقدير الحدوث ، لا بدّ أن يكون بإنشاءين وإن كان بلفظ واحد ، نظير إنشاء وجوبين بصيغة واحدة إن قلنا بجواز مثله. ولا معنى لإنشاء آثار الحدوث والبقاء عند الشكّ في الحدوث خاصّة ، إذ البقاء على تقدير الحدوث قد يكون معلوما ، وقد يكون عدمه معلوما ، وقد يكون مشكوكا ، فلا معنى لجعل آثاره بمطلق الشكّ في الحدوث.