الوجه الثالث : من حيث إنّ المستصحب قد يكون حكما تكليفيّا ، وقد يكون وضعيا شرعيّا كالأسباب والشروط والموانع. وقد وقع الخلاف من هذه الجهة ، ففصّل صاحب الوافية بين التكليفيّ وغيره ، بالإنكار في الأوّل دون الثاني. وإنّما لم ندرج هذا التقسيم في التقسيم الثاني مع أنّه تقسيم لأحد قسميه ؛ لأنّ ظاهر كلام المفصّل (٢٠٦٨) المذكور وإن كان هو التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي ، إلّا أنّ آخر كلامه ظاهر في إجراء الاستصحاب في نفس الأسباب والشروط والموانع ، دون السببيّة والشرطية والمانعية ، وسيتّضح ذلك عند نقل عبارته عند التعرّض لأدلّة الأقوال.
وأمّا بالاعتبار الثاني ، فمن وجوه أيضا : أحدها : من حيث إنّ الدليل المثبت للمستصحب إمّا أن يكون هو الإجماع ، وإمّا أن يكون غيره. وقد فصّل بين هذين القسمين الغزالي ، فأنكر الاستصحاب في الأوّل. وربّما يظهر من صاحب الحدائق (٢٠٦٩) ـ فيما حكي عنه في الدرر النجفيّة ـ أنّ محلّ النزاع في الاستصحاب منحصر
______________________________________________________
الاستصحابيّة. وقد تقدّم كلامه عند شرح قوله : «بملاحظة ما ذكره قبل ذلك ...».
٢٠٦٨. لا يخفى أنّ هذا الجواب تحقيق للسؤال بتقرير آخر ، وليس بدافع له أصلا ، لأنّ للسائل أن يقول حينئذ : إنّ المناسب إدراج هذا التقسيم في التقسيم الثاني ، لكونه تقسيما للقسم الثاني منه ، لكونه تفصيلا بين الأسباب والشروط والموانع وبين غيرها من الموضوعات الخارجة.
٢٠٦٩. بل من جماعة ممّن سبقه ولحقه ، منهم السيّد المحقّق الكاظمي ، لأنّه بعد أن قسّم الاستصحاب إلى أربعة أقسام : الأوّل : استصحاب حال العقل ، أعني : البراءة العقلية. الثاني : استصحاب حال الشرع ، أعني : استصحاب أحكام الوضع. وقسّمه إلى قسمين : أحدهما : ما كان الشكّ فيه في قدح العارض ، وسمّاه باستصحاب حال الإجماع. وثانيهما : ما كان الشكّ فيه في عروض القادح ، وسمّاه بمطلق الاستصحاب. الثالث : استصحاب حكم الشرع عند الشكّ في نسخه