.................................................................................................
______________________________________________________
وبالجملة ، إنّه لا يعقل الشكّ والتردّد في حكمه ، لا من جهة الشكّ في موضوعه ، ولا من جهة الشكّ في مدخليّة بعض الامور في حكمه ، لعدم التردّد في حكمه ، سواء كان الشكّ في وجود ما علم مدخليّته أو مدخليّة ما علم وجوده ، بل لا معنى للشكّ في المدخليّة كما لا يخفى. ومع تسليمه فلا معنى للاستصحاب أيضا ، كما يظهر ممّا ذكره المصنّف رحمهالله ، لأنّه إذا حكم العقل بقبح الكذب الضارّ ، ثمّ تردّد في حكمه بقبحه لأجل الشكّ في زوال قيد الضرر عنه ، فإن اريد باستصحاب حكمه استصحاب القبح المحمول في القضيّة السابقة على الكذب بعنوان كونه مضرّا ، فلا ريب أنّ هذا الحكم العقلي دائميّ لم يقع فيه شكّ في زمان حتّى يستصحب. وإن اريد به استصحاب قبح هذا الكذب المشكوك بقائه على صفة الإضرار ، فلا شكّ أنّ هذا الموضوع لم يعلم اتّصافه بالقبح في السابق حتّى يستصحب قبحه ، إذ لا بدّ في إبقاء الحكم السابق من بقاء موضوعه على وجه اليقين ، لعدم تعقّل بقاء العرض من دون معروضه.
ثم إنّه يظهر بما قدّمناه عدم تحقّق الشكّ في المانع في الأحكام العقليّة ، لأنّه فرع القطع بوجود الموضوع ، والموضوع في القضايا العقليّة علّة تامّة لحكمه ، وعدم المانع مأخوذ فيه من باب الشرطيّة لا في حكمه. والفرق بينهما وبين الأحكام والشرعيّة ـ حيث ذكروا أنّ الشكّ في بقاء الثانية تارة ينشأ من الشكّ في بقاء الموضوع ، واخرى من الشكّ في وجود المانع ـ أنّ الأحكام العقليّة ثابتة بحكم العقل ، وهو لا يحكم بشيء على موضوع إلّا بعد إحراز المقتضي التامّ له فيه ، ومن أجزاء المقتضي هو عدم المانع ، بخلاف الأحكام الشرعيّة ، لأنّها مبيّنة في الأدلّة الشرعيّة ، فما كان الحكم مرتّبا عليه في ظاهر الأدلّة يسمّى موضوعا لهذا الحكم ، وإن فرضت له شرائط وموانع أخر ثابتة بدليل آخر. وهذه التسمية اصطلاح أو مسامحة ، وإلّا فالموضوع الحقيقي الذي يقوم به الحكم لا يكون إلّا علّة تامّة له. وهذا هو الذي أوقع السائل في الشبهة ، فزعم اتّحاد موضوع حكم العقل والشرع ،