كان حال ذي المقدّمة على هذه المثابة فكيف يعقل أن تكون المقدّمة مما يترتّب على تركه العقاب أو على فعله الثواب.
توضيح ذلك يحتاج إلى ذكر مقدّمة :
وهي قد يكون شيئا واحدا مصداقا لأمور متعددة باعتبارات مختلفة ومحكيّا عنه بحكايات متكثّرة بوجوه متفاوتة ، وهذه الأمور تنتزع من ذلك الشيء تارة في عرض واحد وعلى وجه لا ترتّب في انتزاع أحدهما عنه عن الآخر ، وتارة على وجه يكون انتزاع أحد العنوانين موقوفا على عنوان الآخر منه ، فلو فرضنا انّ الآمر تصوّر عنوان الإحراق المترتّب على عنوان الإلقاء وأراد وقوعه من المأمور في الخارج فلا بدّ من أن يطلب على ذلك الوجه والمكلّف إيجاده وامتثاله كذلك والعنوانين متحدين وجودهما في الواقع والترتيب إنما هو في لحاظ العقل وأما في الخارج فلا ترتيب ، وعنوان الإحراق مما ينتزع عن فعل الإلقاء وهو العنوان الأول.
وإذا علمت المقدّمة فنقول : انّ النزاع الواقع بينهم إنما هو في وجوب المقدّمة وعدمه في المقدّمات التي تباين ذيها في الوجود الخارجي والتحصّل الأصلي كما في مقدّمات الصلاة والصعود إلى السطح.
وأما المقدّمات التي متحدة مع ذيها وجودا وإن اختلف عنوانا وحكاية فلا ينبغي للعاقل الارتياب في وجوب هذه المقدّمات ، فانّ الأمر بالإحراق لا يعقل أن يكون ملازما لوجوب الإلقاء في النار بعد أن ذات الإلقاء عين ذات الإحراق ، والمقدّمة العلميّة من قبيل الثاني لا