وبناء على ما ذكره المؤرخون الأعلام فإن طول المجرى الذى حفرته السيدة زبيدة يبلغ (١٤٣٠٣٨) قدما وأربع بوصات وقد صرف فى حفرها وتسويتها مليونا وسبعمائة مثقال ذهب كاملا كما سبق ذكره.
لطيفة
قد رأى أحد الصلحاء فى رؤياه السيدة (١) زبييدة فى رياض الجنة وقال لها «هل غفر لك لتوصيلك المياه إلى مكة المكرمة» فأجابت قائلة : «إن ما أنفقته من المبالغ لأجل الماء كانت من حقوق العباد وما حدث منها من الأجر والثواب وزع على أصحاب الحقوق ، ولكننى كنت يوما فى مجلس الأنس والشراب فسمعت الأذان المحمدى ، فتركت الشرب واستشهدت من خلف المؤذن ، إن عملى هذا قد حاز رضا ربى الرحيم وقال مخاطبا الملائكة : «إذا لم يكن توحيد ألوهيتى راسخا فى قلب زبيدة لما أسرعت فى الاعتراف بوحدانيتى بترك مجلس الهناء والسرور فاشهدوا أننى رضيت عنها وغفرت لها «وبصدور هذا الخطاب الإلهى الجليل وصلت لما أنا عليه من مرتبة عالية وإننى الآن فى أحسن حال». هذا كان ردها للشيخ الصالح. انتهى «روح البيان».
وقد أنقذت السيدة زبيدة أهل مكة من ضائقة الماء ، إذ أوصلت هذه المياه إليها وكذلك خدمت الحجاج الكرام خدمة عظيمة بهذا العمل الجليل.
إلا أن السيول التى تنهمر من الجبال قد خربت قنوات هذه المياه ومجاريها مع مرور الأيام ، كما أن تقلبات الزمن وقلة الأمطار قد محت وخربت جميع الطرق وقضت عليها ، وأجبرت سكان المدينة الشهيرة مكة المكرمة على أن يجلبوا الماء من أماكن بعيدة ، كما أن مياه الآبار أخذت تنضب فى سنة ٢٤١ فأجهد الظمأ الناس أيما إجهاد ، وفى أثناء ذلك أوصل الخليفة العباسى المتوكل المياه التى جلبتها السيدة زبيدة إلى عرفات إلى مكة المكرمة حافرا مجرى آخر ، وبهذا نال الأجر والثواب وكأنه أحيا جيران كعبة الله من جديد (٢) إلا أن المجرى الذى حفره فسد
__________________
(١) إن المشار إليها توفيت عام (٢١٢) وعلى قول عام (٢١٦).
(٢) يروى أن المتوكل أنفق مائة ألف قطعة ذهب لجلب المياه إلى مدينة مكة المكرمة.