وذهب إلى دار فيطون وهناك استطاع أن يقضى عليه فى مكان ضيق من البيت ، إلا أنه تأكد بعد ذلك أنه لا حياة له فى يثرب ، فارتحل إلى اليمن وعرض الأمر على ملك اليمن فى ذلك الوقت وهو «تبع أسعد بن أسعد».
وكان تبع أسعد رجلا سديد الرأى عادلا فاستاء كثيرا مما أخبره به ابن عجلان من أخبار مثيرة منفرة ، وعقد العزم على أن يزيل ريح يهود يثرب ويسوى دورهم بالأرض هدما ، فأعد العدة للرحيل وساق جيشه إلى حدود يثرب والبطحاء ، وعندما بلغ تلك المدينة أعمل السيف فى ثلاثمائة من وجهاء القوم.
وبذلك ألقى الرعب فى قلوب من تبقى من اليهود ، واستأذن يهودى يسمى شامول بلغ من العمر مائتين وخمسين عاما فى الدخول إلى مجلس الملك ، وعندما أذن له بالدخول قال أيها الملك : قد جاء فى الكتب المقدسة أن هذا البلد سيكون مهجرا لنبى آخر الزمان ، وإن اسمه الشريف «أحمد» ، وهو من مكة المكرمة ومن صلب إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، وسيبطل جميع الأديان الأخرى وسيشتهر بلقب «خاتم الأنبياء».
وبناء على ذلك فنيّتك الملكية في تدمير البلد وتخريبه تخالف تقدير الله ، لذا يجب عليك أن تتخلى عن فكرتك هذه ، وأن تظهر الندامة وهذا أولى بك وأجدر.
وهكذا نطق اليهودى بما أوجب القدر النطق به ، وبما أن نطق شامول الذى خاطب به الملك قد أثر فيه ، وأضاء نور المحبة المصطفوية جنبات فؤاده ، ترك حرب اليهود وأكرم أهل المدينة المنورة ببذل العطايا لهم ، وأظهر المحبة التى فى قلبه نحو حبيب الله ، ثم اصطحب ذلك اليهودى ـ أو على رواية أخرى ـ اصطحب ثلاثة من أحبار اليهود الزهاد ، وسار نحو الكعبة المعظمة لابسا ملابس الإحرام ، وبعد الزيارة توجه نحو بلاد اليمن عائدا مصطحبا معه ابن يامين بن عميرى من أحبار قبيلة بنى نضير وعلى ما سبق ذكره ، وأخذ معه «شامول» أو «سحيت وبامين».