١٠ ـ ومن السيول التى أفزعت الناس فى البلاد الحجازية سيلان وقع أحدهما وهو السيل العاشر بمكة سنة ٢٥٣ والثانى وهو الحادى عشر فى مكة فى سنة ٢٦٦. يعتبر السيل الذى وقع ٢٥٣ من الأحداث المهمة التى حدثت فى البلاد الحجازية ، إذ دخل إلى المسجد الحرام وارتفعت المياه حتى وصلت إلى الحجر الأسود ، وجلبت للمسجد خسائر عظيمة إلا أن السيل الذى حدث بعده بخمسة عشر عاما كان أكثر رعبا وفزعا. إن هذا السيل قد خرب المنازل والمدارس والحوانيت التى فى طريقه ، وبخلاف هذا فقد جرف الرمال التى كانت تفرش ساحة الحرم الشريف ، وقد بلغ شدة جريانه حدا أنه جرف معه كل ما يقع أمامه من الأجسام الثقيلة بدون قيد ولا احتراز ، كما أنه اقتلع جميع الحجارة التى فى داخل ساحة المسجد الحرام.
وبعد هذه الواقعة أى بعد سيل عام ٢٦٦ ظهرت سيول أخرى خلال ٣٤٤ سنة ، إلا أنه لا يعرف التاريخ أوقات ظهورها ، ولكن مما يروى أنه فى خلال تلك الفترة هبطت على مكة سيول من الجبال التى تحيط بها ، وهى سبعة سيول أو ثمانية ، وقيل إنها كانت مفزعة رهيبة ، وقد جرف إلى ساحة الحرم الشريف الأتربة وعظام الحيوانات وغير ذلك ، وتحول داخل المسجد الحرام إلى جبال مما سبب لأهل مكة التعب الشديد فى نقل المخلفات وترميم ما خربته السيول وتعميره.
وقد نقل مؤلف «لطائف الأخبار» عن قاضى مكة برهان الدين بن ظهير فى ذلك الوقت «أن أشد السيول التى هبطت هو السيل الذى ظهر فى شدة مخيفة فى يوم الأربعاء الرابع عشر من ذى القعدة عام (٦٨٣) وكأنه شعبة من المحيط الهادى.
إن السيل الذى يذكره القاضى برهان الدين قد ملأ ساحة المسجد الحرام ذات الفيوضات الباهرة ، وهدم كثيرا من أساطينه وخربها ، وأهلك فى داخل الحرم الشريف وخارجه وأغرق خمسائة وسبعين شخصا.