هذا جواب عن سؤال وهو : إن قائلا لو قال : هب أن الأدعياء ليسوا بأبناء كما قلت لكن من سمّاه غيره ابنا إذا كان لدعيّه شيء حسن لا يليق بمروته أن يأخذه منه ويطعن فيه عرفا.
فقال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) جوابا عن ذلك السؤال وتقريره هو : إن دفع الحاجات على مراتب : دفع حاجة الأجانب ، ثم دفع حاجة الأقارب الذين على حواشي النساء ، ثم دفع حاجة الأصول والفصول ، ثم دفع حاجة النفس. والأول عرفا دون الثاني وكذلك شرعا ، فإن العاقلة تتحمل الدية منهم ولا تتحمّلها عن الأجانب ، والثاني دون الثالث وهو ظاهر بدليل النفقة ، والثالث دون الرابع فإن النفس مقدم على الغير وإليه أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
إذا علمت هذا فالإنسان إذا كان معه ما يغطي به أحد الرجلين ويدفع به حاجة من شقي بدنه فأخذ العطاء من أحدهما وغطى به الأخرى لا يكون لأحد أن يقول : لم فعلت؟ فضلا من أن يقول بئس ما فعلت. أللهم إلاّ أن يكون أحد العضوين أشرف من الآخر ، مثل ما إذا وقى الإنسان عينه بيده ويدفع البرد عن رأسه الذي هو معدن حواسه ويترك رجله تبرد ، فإنّه الواجب عقلا. فمن يعكس الأمر يقال له : لم فعلت؟
وإذا تبيّن هذا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فلو دفع المؤمن حاجة نفسه دون حاجة نبيّه يكون مثله من يدهن شعره ، ويكشف رأسه في برد مفرط قاصدا به تربية شعره ولا يعلم أنه يؤذي به رأسه الذي لا نبات لشعره إلاّ منه.
فكذلك دفع حاجة النفس لفراغها إلى عبادة الله ولا علم بكيفية العبادة إلاّ من الرسول ، لو دفع الإنسان حاجة لا للعبادة فهو ليس دفعا للحاجة ، إذ هو فوق تحصيل المصلحة ، وهذا ليس فيه مصلحة فضلا من أن يكون حاجة ، وإن كان للعبادة فترك النبي الذي منه يتعلم كيفية العبادة في الحاجة ودفع الحاجة ، مثل تربية الشعر مع إهمال أمر الرأس. فبين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد