وأمّا دقّته في الشرعيات :
فلقد بلغ في ذلك إلى حد كان مورثاً للعجب ، وله قضايا غير متناهية تكشف عن ذلك ، لا بأس بنقل واحدة منها ، وهي :
أنّ تاجراً من تجار قزوين أتاه بعد أيام من فوت (١) العلاّمة المبرور آية الله الميرزا محمّد حسن الشيرازي قدّس سرّه وجلس عنده وأدّى الرسوم ، ثمّ وضع قدّامه كيساً مملوءاً فيه ألف ليرة ، فسأله قدّس سرّه عن مصرفه ، فقال : حقّ الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام ، فسأل عن المعطي فسمّى تاجراً آخر ، فأطرق [برأسه] قدّس سرّه مليّاً ، ثمّ رفع رأسه وقال : إنّ أهل قزوين لا يقلّدوني ، وهذا التاجر ظنّي أنّه ليس مقلّداً لي فما جهة إرساله الدنانير إليّ؟! وأخاف أنّه مرسلها إلى المرحوم الميرزا قدّس سرّه ، فأتيت ووجدته منتقلا إلى رحمة الله تعالى ورضوانه فأتيتني بالدنانير من نفسك ، فقال : نعم ، هو وكيل المرحوم حضرة الميرزا قدّس سرّه وأعطاني الدنانير لأوصلها إليه ، فلمّا توفّي ـ ونحن في الطريق ـ تفحّصت فتعيّن عندي إيصالها إليك ، فقال قدّس سرّه : اشتبهت; تكليفك إرجاع الدنانير إلى ذلك التاجر ليتفحّص عن وصيّ المرحوم الميرزا قدّس سرّه ويستفسر منه أنّه هل عيّن في الحقوق المقبوضة بإذنه قدّس سرّه مسلكاً أم لا ، فإن كان معيِّناً لزم الجري على ما عَيّن وإلاّ تفحّص ذلك التاجر وأوصلها إلى من اطمئنّ به ، فإيصالك إيّاها إليّ حينئذ لا وجه له ، فأطرق التاجر زماناً ثمّ رفع رأسه وقال : تأخذها أنت وتوصلها إلى محله وأنا أمضي وأخبر ذلك التاجر ويستفسر فإن لم يكن المرحوم قدّس سرّه معيِّناً مسلكاً وأدّى تكليفه إلى ايصالها إليك فنعم المطلوب وإلاّ فأنا أحتسبه
__________________
(١) الاظهر الاشهر : وفاة.