العلماء (١) كأ نّه من خدّامهم ، وكان لا يتقدّم عند ورود مجلس على من معه من تلامذته إلاّ بعد إصرارهم عليه وتأكيدهم ، ومع ذلك كان غالباً يقول ـ عند التقدّم ـ : أنا أخالف الأدب.
وأمّا انكسار نفسه وترابيّة مزاجه :
فايم الله تعالى أنّه من عجائب الزمان ، ولقد كان ـ مع ما كان عليه من الجلالة والعظم في العيون والرئاسة العامّة ـ غير باني في حقّ نفسه على منزلة بمقدار أقل الناس ، وكان يقول لنا دائماً : إنّكم مشتبهون ..! لست أنا بشيء.
__________________
ـ والمدارس السيّارة ..!
والأغرب من ذا أنّ أحد خيرة فضلاء طلابه قدّس سرّه اعترض عليه في فعله هذا ، فما كان من الشيخ إلاّ وغضب غضباً شديداً لأمر تلميذه إيّاه بالمنكر! وصرخ فيه بأنّ ما عملته ما كان إلاّ واجبي ، ولو لم اثمن واحترم أمثال الشيخ النجف فمن يعرف قدرهم؟! و .. قد جفا تلميذه المحبوب هذا إلى أن رحل من الدنيا ، وقيل كان ذلك حدود سبع سنوات ..!!
(١) ومن الشواهد على ذلك ما سمعته من المرحوم السيّد محمّد البهبهاني طاب ثراه في آخر سفر له إلى العراق ـ وكنت صغيراً ـ حيث جاء إلى دارنا لردّ زيارة الشيخ الوالد دام ظله وطلب أن يكون المجلس في غرفة المقبرة في دارنا ، وبعد قراءته للفاتحة قال ما حاصله : في آخر سفرة للشيخ محمّد حسن إلى إيران ذهبت بخدمة والدي السيّد عبد الله ـ أحد مؤسسي المشروطة ـ من طهران إلى شاه عبد العظيم رضوان الله عليه لزيارة الشيخ المامقاني ، حيث كان مجلسه في الحرم والصحن ، لعدم وجود محل كبير يناسب استقبال الزوار والوفود ، أو رغبته هو بذلك ، فعندما دخلنا عليه قبّلت يده وجلست جانباً ، وكان المجلس مكتظاً ، وجلس والدي ـ السيّد عبدالله ـ إلى جنبه ، فبعد أن سأله عن حاله وعدّد أولاده .. أشار لي وقال : وهذا سيّد محمّد ولدي ـ وكان عمري حدود العشر سنين ـ فانزعج الشيخ جدّاً لتقبيلي يده عند الدخول وتأثر وهمّ قائماً يريد التوجه لي لتقبيل يدي ، ممّا سبّب استغراب والدي والجمع ، وقال بانزعاج : إنّ ولدكم قبّل يدي وهو سيّد وهذا ما لا يكون أبداً ، ولابدّ من أن أقبّل يده .. فأصرّ والدي عليه وحصل التوافق على تقبيل جبهتي!!