وكان إذا ورد مجلساً يفرّ من الصدر ويتطلّب ذيل المجلس والخالي من أمكنته (١).
وكان يكرم الوارد عليه ـ جليلا كان أو حقيراً ـ وكان يعامل الحقير والفقير ـ عند وروديهما عليه ـ أحسن من معاملة الناس مع الأجلاّء ، وكان إكرامه لأهل العلم ـ إذا كان فقيراً ـ أزيد منه إذا كان غنياً ، فإذا ورد عليه طالب علم فقير أو سيّد فقير ـ وعنده من أهل العلم من هو غني أو من هو من التجار أو أعيان الدولة ـ كان يُجلس ذلك المشتغل الفقير أو السيّد الفقير فوق يده ; والحال أنّ ذلك الغني كان جالساً تحت يده (٢).
__________________
(١) يحدّثنا السيّد الأمين في أعيان الشيعة ٥/١٥٠ بقوله : .. وكان متواضعاً ، دخل يوماً إلى دار آل الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء في عشر المحرّم ـ وأنا حاضر ـ فوجد المجلس غاصاً ، فجلس في أخريات الناس ، فتبادر أهل المجلس وأتوا به إلى الصدر ..
(٢) حدّثني أكثر من واحد عن غير واحد ـ ومنهم شيخي الوالد دام ظله ـ أنّه دخل أحد أعيان تجار الترك بصحبة مضيفه من السادة خدم الروضة العلويّة ـ على صاحبها آلاف السلام والتحية ـ على المرحوم الجدّ الأكبر قدّس سرّه ، وقدّم التاجر مبلغاً كبيراً من الحقوق الشرعيّة ، فما كان من ذاك السيّد الخادم إلاّ أن خاطب الشيخ بالعربية بما حاصله : إنّه لا تنسونا ..! وحيث كان الشيخ يعرفه بعدم التقوى ، بل التجاهر بالفسق وعدم الفقر لذا اعاد المال على صاحبه ورفض أخذه .. فأصرّ عليه التاجر وطالبه بالسبب ، فقال الشيخ رحمه الله : إنّ هذا السيّد يطلب مني أن أسرق من حقّ الله ورسوله واعطيه ، وهذا ما لا يكون .. فعاد التاجر على السيّد وزجره وصاح به ، ثمّ ترجى من الشيخ قبول الحقوق فقبل المبلغ ، فما كان من السيّد إلاّ أن توعد الشيخ وهدده بالقتل بالعربية ـ كيلا يفهم التاجر ـ وكان من عادة الشيخ طاب ثراه اقامة بعض النوافل الليلية في الحرم الشريف ، لذا إكراماً له كان يفتح باب الصحن قبل اذان الصبح بمدّة ، وفي مرّة والشيخ خارج إلى الحرم والطريق خال من المارة ، وهو يتكي عن عكاز ولعلّ معه سراج ، فما كان إلاّ وحمل ذاك السيّد الشاب على الشيخ والقاه أرضاً وجلس على صدره مصلتاً سكينة ، فوجد الشيخ من تحت يتململ ويقول : (رو بقبله .. رو بقبله ..) [أي إلى طرف القبلة] ، فسقطت السكين من يده ، وجثى على يد ورجل الشيخ يقبلهما ويستميحه ويعتذر ـ