سنة وكان قد ستر أمره ودعوته ثلاث سنين ، ولم يطلع أحداً من الناس على ذلك نعم أسرَّ بدعوته إلى اثنين هما ألصق الناس به ، خديجة أول امرأة تؤمن به وعلي ـ رغم صغر سنه ـ أول ذكرٍ يؤمن به .
أما خديجة ، فتلك المرأة الصالحة التي رغب بالقرب منها أشراف العرب ، فلفظتهم ورغبت عنهم وعن دنياهم واختارت محمداً .
وأما علي ، فذلك الصبي الذي كان لا يكاد يفارق محمداً في حلٍّ ولا ترحال ، حتى قال هو عن نفسه واصفاً علاقته بالنبي : « كنت أتبعه إتباع الفصيل لأمه . . . » .
قال محمد بن إسحاق : لم يسبق علياً إلى الإِيمان بالله ورسوله ورسالة محمد ( ص ) أحد من الناس ، اللهم إلا أن تكون خديجة زوجة الرسول ، وقد كان يخرج ومعه عليٌّ مستخفياً من الناس فيصليان الصلوات في بعض شعاب مكة ، فإذا أمسيا رجعا ، فمكثا بذلك ما شاء الله أن يمكثا ، لا ثالث لهما (١) .
وقد اطلع النبي ( ص ) بعض الخواص من أصحابه الذين يركن لأمانتهم وإخلاصهم فكانوا إذا أرادوا الصلاة خرجوا إلى شعاب مكة خوفاً من قومهم ، وكانت دار الأرقم بمكة ملتقىً لهم حيث اتخذها النبي ( ص ) مقراً له لنشر دعوته بادىء الأمر ، ومنتدىً لمن أحب أن يسمع منه ما جاء به من عند الله تعالى ، ومن الطبيعي أن الأمر كان محاطاً بشيء من السرية والكتمان بالنسبة للراغبين في اعتناق الدين الجديد .
أما عمار بن ياسر ، الصديق الحميم لمحمدٍ ( ص ) فلم تكن لتفوته الفرصة في المبادرة ، فخف إلى دار الأرقم ليرى محمداً ومن معه ، وليسمع منه ، إلا أنه فوجيء على الباب بصهيب بن سنان الرومي ، ويظهر أن كلاً منهما خاف ان يكون الآخر عيناً عليه !
__________________
(١) شرح النهج : ٣ ـ ٣٩ .