يقول عمار : فقلت له : ما تريد ؟ قال لي : ما تريد أنت ؟ فقلت : أردت أن أدخل على محمدٍ فاسمع كلامه . قال : وأنا أريد ذلك ، فدخلنا عليه فعرض علينا الإِسلام ، فأسلمنا . ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا ، ثم خرجنا ونحن مستخفون (١) .
بعد ذلك أمر الله تعالى نبيه بإظهار الأمر ، وأن يبدأ بالخاصة من أقاربه وعشيرته إذ خاطبه تعالى بقوله : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) * فاستدعى علياً للقيام بمهمة جمع العشيرة ، وكان هذا أول ما استعان به الرسول ( ص ) بابن عمه علي ، فجمع بني هاشم في دار الحارث بن عبد المطلب ، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً أو يزيدون ، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس (٢) . فأمر علياً برجل شاة فآدمها ، ثم قال : ادنو باسم الله . فدنا القوم عشرةً عشرة ، فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب لبن ، فجرع منه جرعة ، ثم قال : اشربوا باسم الله ، فشربوا حتى رووا . وكانت هذه الحادثة غريبة من نوعها بل معجزة خارقة للقوانين العادية مما حدا بأبي لهب عمّ النبي أن يقول للحاضرين : هذا ما سحركم به الرجل !!
سكت النبي ( ص ) ولم يتكلم ، ثم التفت إليهم وقال : إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وأنتم عشيرتي ورهطي ، وان الله لم يبعث نبياً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً وخليفةً في أهله ، فايكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووارثي ووزيري ووصي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ؟!
فسكت القوم . فقال النبي ( ص ) : ليقومنَّ قائمكم ، أو ليكوننَّ في غيركم ، ثم لتندمنَّ ؟! ثم أعاد الكلام ثلاث مرات .
__________________
(١) الطبقات الكبرى ـ ٢٤٧ .
(٢) مجمع البيان : ٧ ـ ٢٠٦ ـ ٢٢١ .
والمسنّة من الإبل ما دخلت في السنة الثالثة . والعس : السقاء .
(*) الشعراء : ٢١٤ .