والهجرة ، مما جعلهم سادة الموقف بعد أن كانوا ضعفاء مقهورين ، وأرباب السلطان والنفوذ بعد أن كانوا محكومين ، وهكذا فقد أخذ الإسلام ـ بعد ذلك ـ يشق طريقه نحو النفوس بهدوء ومن دون أيّة وسائل قمعية ، بل بروحيته السمحاء المستمدة من السماء ، فرأيناه في زمان قصير يطبق أرجاء المعمورة أو يكاد ، فيدخل بلاداً لم يطأها فاتح ولم تغزها قوة ، بل أخذ أهلها ـ أو بعضهم ـ هذا الدين الجديد من أولئك المسلمين الذين كانوا يرتادون بلادهم للسياحة أو التجارة ، فيشاهدون الإسلام عقيدة ونظاماً تجسدا في سلوك أولئك الزوار ، في أخلاقهم وعباداتهم ومعاملاتهم .
لقد أرسى النبي الأعظم ( ص ) قواعد الرسالة الشريفة وأحكم دعائمها ووطد أركانها ، وأعاد للإنسانية شرفها وكيانها بعد أن كانت ضحية أهواء الجبابرة وأرباب السلطان من شذاذ الآفاق الذين لا همَّ لهم إلا إشباع رغباتهم وشهواتهم على حساب الضعفاء من عامة الناس .
وحينما لحق النبي ( ص ) بالرفيق الأعلى خيّل للمنافقين والملحدين أن الإسلام سينتهي بانتهاء حياة محمد ، لذلك قاموا بحملات معادية مركزة استهدفت ضرب المسلمين وتشتيت وحدتهم ومن ثم القضاء على الرسالة الإسلامية المباركة ، غير أن إرادة الله سبحانه حالت دون ذلك ، فلقد تنبه أقطاب المسلمين من الصحابة لما يجري من حولهم من ممارسات فازدادوا تماسكاً وتوحداً ، وبذلك استطاعوا تفويت الفرصة على أعدائهم .
ويمكن حصر تلك الحملات في جبهات ثلاثة ، وهي :
١ ـ إثارة العصبيات .
٢ ـ تحرك دعاة الردة .
٣ ـ تحرك بقايا فلول الشرك .
« إثارة العصبيات »
لقد شن الإسلام حرباً شاملةً ضد
العصبيات بشكل عام ، وكافح دعاتها وطاردهم باعتبارها تشكل مصدراً واسعاً للفتنة ، فالعصبية ـ قبليةً كانت أو