غير التي كانت عليه ، ووجهه قد تسرّى عنه ذلك الأثر من الحزن فأمر ونهى ، حتّى اذا فرغ من غسله دعا بكفنه فكتب في حاشيته : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ الله (١).
فتعجّب الناس من انقلاب حاله وذهاب ذلك الحزن الشديد فبدر إليه بعض أصحابه قائلا : جعلت فداك لقد ظننا أننا لا ننتفع بك زمانا لما رأيناه من جزعك ، فقال عليهالسلام : إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فاذا نزلت صبرنا.
وقدّم لأصحابه المائدة وعليها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ودعاهم الى الأكل وحثّهم عليه ، ولا يرون للحزن أثرا على وجهه ، فقيل له في ذلك ، فقال :
ومالي لا اكون كما ترون وقد جاء في خبر أصدق الصادقين : إنّي ميّت وإيّاكم.
ولكنه لمّا حمل ليدفن تقدم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وهذا أعظم شعار للحزن ، وكان يأمر بوضع السرير على الأرض يكشف عن وجهه يريد بذلك تحقيق موته لدى الناس ، فعل ذلك مرارا الى أن انتهوا به الى قبره (٢).
ولمّا فرغ من دفنه جلس والناس حوله وهو مطرق ، ثمّ رفع رأسه فقال :
أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء ، لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع ، ولوعة لا ترد ، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحّة الفكرة ، فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ، ثمّ تمثل بقول أبي خراش الهذلي :
ولا تحسبن أني
تناسيت عهده |
|
ولكن صبري يا
اميم جميل (٣) |
__________________
(١) وما زال الناس يكتبون الشهادة على اكفان الموتى من ذلك اليوم ، اقتداء بعمل الإمام ، وقد بلغني عن بعض أهل الجمود أنهم يكتبون لكل ميّت منهم : إسماعيل يشهد ..
(٢) ارشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٥.
(٣) اكمال الدين : ١ / ١٦٣ ، والأمالي للشيخ الصدوق : ٢٣٧.