ومن معاجز أبي الحسن الرضا عليهالسلام في شأن محمّد أن محمّدا مرض فأخبروا الرضا عليهالسلام أنه قد ربط ذقنه ، فمضى إليه ومعه بعض أصحابه ، واذا لحياه قد ربطا واذا إسحاق أخو محمّد وولده وجماعة آل أبي طالب يبكون ، فجلس أبو الحسن عند رأسه ونظر في وجهه فتبسّم ، فنقم من كان في المجلس على أبي الحسن ، فقال بعضهم : إنما تبسّم شامتا بعمّه ، ولمّا خرج ليصلّي في المسجد قال له أصحابه : جعلنا فداك قد سمعنا فيك من هؤلاء ما نكرهه حين تبسّمت ، قال أبو الحسن عليهالسلام : إنما تعجّبت من بكاء إسحاق وهو والله يموت قبله ويبكيه محمّد ، فبرئ محمّد ومات إسحاق (١).
ولمّا كانت خراسان دار مقرّه لم تخضع نفسه لوجود ذي الشوكة والتاج فيها ـ أعني المأمون ـ فكان إباؤه يأبى له من الرضوخ وإن كان سجين البلد ومغلوبا على أمره ، فإنه أخبر يوما بأن غلمان ذي الرئاستين (٢) قد ضربوا غلمانه على حطب اشتروه ، فخرج متّزرا ببردين ومعه هراوة (٣) يرتجز ويقول : ـ الموت خير لك من عيش بذلّ ـ وتبعه الناس حتّى ضرب غلمان ذي الرئاستين وأخذ الحطب منهم ، فرفعوا الخبر الى المأمون ، فبعث الى ذي الرئاستين فقال : ائت محمّد بن جعفر فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانك ، فخرج ذو الرئاستين الى محمّد ، فقيل لمحمّد : هذا ذو الرئاستين قد أتى ، فقال : لا يجلس إلاّ على الأرض ، وتناول بساطا كان في البيت فرمى به هو ومن معه ناحية ، ولم يبق في البيت إلاّ وسادة جلس عليها محمّد ، فلمّا دخل عليه ذو الرئاستين وسّع له محمّد على الوسادة فأبى أن يجلس عليها وجلس على الأرض فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانه.
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢ / ٢٠٦ / ٧.
(٢) هو الفضل بن سهل وزير المأمون ، وسمّي ذا الرئاستين لجمعه بين رئاستي السيف والقلم.
(٣) عصا.