ارتكاب الموبقة ، وأعظم دافع على اكتساب الطاعة ، وكيف يحرص على الدنيا ويقترف السيّئة ولا يأتي بالحسنة من يتمثل له تلك الحال الفظيعة في قبره التي لو شاهدها المرء لجزع من هذه الحياة ، ولمقت حتّى نفسه.
و ( منها ) قوله عليهالسلام : ليس من أحد وإن ساعدته الامور بمستخلص غضارة عيش (١) إلاّ من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت (٢).
أقول : إن هذا الكلم من أبلغ الجمل الحكيمة المعبّرة عن حقائق الكون الواقعيّة ، أمّا القسم الأول وهو غضارة العيش فإن كلّ منّا يستطيع أن يجرّب في نفسه وفي غيره أن الدعة والغضارة لا تتمّ لنا خالصة من النكد والتنغيص مهما بلغت سلطتنا أو مقدرتنا الماليّة ، والسرّ أن الإنسان يعجز أبدا من اشباع كلّ شهواته ، وان واتته الحياة الدنيا ، وكذلك « الجنّة حفّت بالمكاره ».
وأمّا فيما يتعلّق بالقسم الثاني وهو « الفرصة » فإنها لا تمرّ على الإنسان إلاّ باجتماع آلاف الأسباب الخارجة عن اختياره فاذا مرّت وانتظر استقصاءها ففاتت عليه أي أنه لم يعمل السبب الأخير وهو اختياره وإرادته الجازمة فإنه على الأغلب لا يواتيه اجتماع الأسباب مرّة اخرى في نظام الكون وجمعها ثانيا ليس تحت اختياره ، ولأجل هذا سمّيت فرصة ، فعلى الحازم الكيّس أن ينتهزها عند سنوحها.
و ( منها ) قوله عليهالسلام : إن المنافق لا يرغب فيما سعد به المؤمنون ، فالسعيد
__________________
(١) غضارة العيش طيبه وخصبه وخيره.
(٢) تحف العقول : ٢٨١.